Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 269-269)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال البيضاوي : الحكمة : تحقيق العلم وإتقان العلم . هـ . وقيل : هي سرعة الجواب وإصابة الصواب ، وقيل : كل فصل جَزْلٍ من قول أو فعل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يؤتي } الحق تعالى { الحكمة من يشاء } من عباده ، وهي التفقّه في الدين والتبصر في الأمور . قال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ يُرد اللّهُ به خيراً يُفقِّهْه في الدين ، ويُلهمْه رُشْدَه } وقيل : الحكمة : الإصابة في الرأي . وقيل : الفهم في كتاب الله . وقيل الفهم عن الله . { ومن يؤت الحكمة } أي : أعطيها ، { فقد أوتي خيراً كثيراً } لأنه حاز خيرَ الدارَيْن ، ولا شك أن من حقَّق العلم بالله وبأحكامه ، وأتقنَ العملَ بما أمره الله به ، فقد صفا قلبه ، وتطهر سره ، فصار من أولي الألباب ولذلك قال عقبه : { وما يذكر إلا أولوا الألباب } . الإشارة : الحكمة هي : شهود الذات مرتديةً بأنوار الصفات ، وهي حقيقة المعرفة ، ومن عرف الله هابه ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " رأس الحكمة مخافة الله " وقيل : هي تجريد السر لورود الإلهام ، وقيل : هي النور المفرق بين الوسواس والإلهام ، وقيل : شهود الحق تعالى في جميع الأحوال . والتحقيق : أن الحكمة هي إبداع الشيء وإتقانه حتى يأتي على غاية الكمال ، ويجري ذلك في العلم والعمل والحال والمعرفة . وقال القُشَيْري : الحكمة : أن يَحكم عليك خاطر الحق لا داعي الباطل ، وأن تحكم قواهر الحق لا زواجر الشيطان . ويقال : الحكمة : صواب الأمر ، ويقال : هي ألا تغلب عليك رعونات البشرية ، ومن لا حكم له على نفسه لا حُكْمَ له على غيره . ويقال : الحكمة : موافقة أمر الله ، والسفه : مخالفة أمره ، ويقال : الحكمة شهود الحق ، والسفه : شهود الغير . قاله المحشي . واعلم أن الصوفية ، في اصطلاحهم ، يُعبِّرون عن أسرار الذات بالقدرة ، وعن أنوار الصفات - وهي ظهور آثارها - بالحكمة . فالوجودُ كله قائم بين الحكمة والقدرة ، فالقدرة تُبرز الأشياء ، والحكمة تَسترها . فربط الأشياء واقترانها بأسبابها تُسمى عندهم الحكمة ، وإنفاذ الأمر وإظهار يُسمى القدرة ، فمن وقف مع الحكمة حجب عن شهود القدرة ، وكان محجوباً عن الله . ومن نفذ إلى شهود القدرة ولم يرتبط مع الأسباب والعوائد كان عارفاً محبوباً . فالعارف الكامل هو الذي جمع بين شهود القدرة وإقرار الحكمة ، فأعطى كل ذي حق حقه ، وَوَفَّى كلَّ ذي قسط قسطه ، لكن يكون ذلك ذوقاً وكشفاً ، لا علماً وتقليداً . وبالله تعالى التوفيق .