Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 270-271)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : النذْر : هو إلزَامُ المكلف نفسه ما لم يَجب ، كقوله : لله عليَّ أن أتصدق بكذا ، أو أن أصلي كذا ، أو أن أصوم كذا ، أو إن شفى الله مريضي فعليَّ كذا ، فمن نطق بشيء من ذلك لزمه ، ومن علق بشيء وحصل ذلك لزمه ما نطق به . و { نعما } أصلها : نِعم ما هي ، فأدغمت الميم في الميم ، وفي { نعم } : ثلاث لغات : " نعم " بفتح النون وكسر العين وهي الأصل ، وبسكونها ، وبكسر النون وسكون العين ، فمن قرأ بكسر النون والعين ، فعلى لغة كسر العين ، وأتبع النون للعين ، ومن اختلس ، أشار إلى لغة السكون ، ومن قرأ بفتح النون وكسر العين ، فعلى الأصل وأدغم المثلين ، ومن قرأ بفتح النون وسكون العين فعلى لغة { نَعْم } بالتفح والسكون ، ثم أدغم ، ولم يعتبر التقاء الساكنين لعروضه ، أو لكون الثاني مُشدَّداً سهل ذلك . والله أعلم . ومن قرأ : { ونكَّفرْ } ، بالجزم ، فعطف على محل الجزاء ، ومن قرأ بالرفع ، فعلى الاستئناف ، أي : ونحن نكفر ، أو : فهو يكفر ، على القراءتين . يقوله الحقّ جلّ جلاله : { وما أنفقتم من نفقة } قليلة أو كثيرة ، سرّاً أو علانية ، في حق أو باطل ، { أو نذرتم من نذر } بشرط أو بغير شرط ، في طاعة أو معصية ، { فإن الله يعلمه } ، فيجازيكم عليه ، فمن أنفق في طاعة أو نذر قربة كان من المحسنين ، ومن أنفق في معصية أو نذر معصية كان من الظالمين . { وما للظالمين من أنصار } ينصرونهم من عذاب الله . { إن } تُظهروا { الصدقات } ، مخلصين فيها ، { فَنِعِمَّا هي } أي : فنعم شيئاً إبداؤها ، ولا سيما للمقتدى به ، فهو أفضل في حقه ، { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء } خفيه { فهو خير لكم } لأنه أقرب للإخلاص ، وهذا في التطوع ، تفضل عَلانيتها بسبعين ضعفاً . وأما الفريضة ففيها تفصيل ، فمن خاف على نفسه شوْبَ الرياء أخفى أو نَوّب ، ومَنْ أَمِنَ أَظْهَر . فقد ورد أن علانية الفريضة تَفْضُلُ سرَّها بخمسة وعشرين ضعفاً ، فإن فعلتم ما أُمرتم به في الوجهين ، فقد أحسنتم ، { ونكفر عنكم من سيئاتكم } أي : نستر عنكم بعض ذنوبكم ، وقد ورد في صدقة السر أن صاحبها يُظله الله يوم لا ظل إلا ظله { والله بما تعملون خبير } لا يخف عليه من أَسَرَّ أو جَهَر ، ومن أخلص أو خلط ، ففيه ترغيب وترهيب . والله تعالى أعلم . الإشارة : معاملة العبد مع مولاه : إما أن تكون لطلب الأجور ، وإما لرفع الستور ، فالأول يُعطي أجره من وراء الباب ، والثاني يدخل مع الأحباب . وأما العامل للدنيا فهو ظالم لنفسه { وما للظالمين من أنصار } ، وفي بعض الآثار : طالبُ الدنيا أسير ، وطالب الآخرة أجير ، وطالب الحق أمير . ثُم الناس في معاملة الحق على أقسام ثلاثة : قِسْمٍ يليق بهم الإخفاء والإسرار ، وهم طالبوا الإخلاص من المريدين السائرين . وقسْمٍ يليق بهم الإظهار وهم أهل الاقتداء من العلماء المخلصين . وقسْم لا يقفون مع ظهور ولا خفاء ، بل مع ما يبرز في الوقت ، وهم العارفون الكاملون . ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه : من أحبَّ الظهور فهو عبد الظهور ، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء ، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أم أخفاه . والهداية كلها بيد الله ، ليس لغيره منها شيء .