Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 273-273)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { للفقراء } : متعلق بمحذوف ، أي : يعطي ذلك للفقراء ، أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء ، والإلحاف ، : هو الإلحاح في السؤال ، وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه ، وهو منصوب على المصدر أو الحال . يقول الحقّ جلّ جلاله : تجعلون ما تنفقونه { للفقراء الذين أحصروا } أي : حبسوا أنفسهم في { سبيل الله } وهو الجهاد ، { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } أي : ذهاباً في الأرض للتجارة أو للأسباب ، بل شغلهم الجهاد والتبتل للعبادة عن الأسباب ، وهم أهل الصُّفَّة ، كانوا نحواً من أربعمائة من فقراء المهاجرين ، يسكنون صفة المسجد ، يستغرقون أوقاتهم في العلم والذكر والعبادة ، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس رضي الله عنه : " وقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحاب الصفة ، فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلبوهم ، فقال : " أبشروا يا أصحاب الصفة ، فمن بقي من أمتي على النعت الذي أنتم عليه ، راضياً بما فيه فإنه ، من رفقائي " . وقيل : المراد الفقراء مطلقاً ، حصرهم الفقر عن الضرب في الأرض للتجارة ، { يحسبهم الجاهل } بهم { أغنياء من التعفف } ، أي : من أجل تعففهم عن السؤال ، { تعرفهم بسيماهم } من الضعف ورثاثة الحال . الخطاب للرسول ، أو لكل أحد { لا يسألون الناس إلحافاً } ، أي : لا يسألون ، وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا ، وقيل : نفي للأمرين معاً ، ليس لهم سؤال ، فيقع فيه إلحاف ، كقول الشاعر : @ على لا حِبٍ لا يُهْتَدى بمنَارِه @@ وليس ثَمَّ لا حب ولا منار ، وإنما المراد نفيهما ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " منْ سأَلَ ، وله أربعونَ دِرهماً ، فَقَدْ سأل إلحافاً " . { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } فيجازي على القليل والكثير ، وهذا ترغيب في الإنفاق ، وخصوصاً على هؤلاء . الإشارة : ما أفلح من أفلح ، وخسر مَنْ خسر ، إلا من نفسه وفلسه ، فمن جاد بهما ، أو بأحدهما ، فقد فاز وأفلح وظفر بما قصد ، والجود بالنفس أعظم ، وهو يستلزم الجود بالفلس ، والجود بالفلس ، إن دام ، يوصل إل الجود بالنفس ، والمراد بالجود بالنفس : إسلامها للشيخ يفعل بها ما يشاء ، وتكون الإشارة فيها كافية عن التصريح ، ومن بخل بهما أو بأحدهما ، فقد خسر وخاب في طريق الخصوص ، ومصرف ذلك هو الشيخ ، أو الفقراء المنقطعون إلى الله الذي حصروا أنفسهم في سبيل الله ، وهو الجهاد الأكبر . قال في القوت : وكان بعض الفضلاء يؤثر بالعطاء فقراء الصوفية دون غيرهم ، فقيل له في ذلك ، فقال : لأن هؤلاء هممهم الله عزّ وجلّ ، فإذا ظهر منهم فاقة تَشَتَّتَ قلبُ أحدِهم ، فلأنْ أرد هِمة واحدٍ إلى الله أحب إليّ من أن أعطي ألفاً من غيرهم ممن همه الدنيا . فذكر هذا الكلام لأبي القاسم الجنيد ، فقال : هذا كلام ولي من أولياء الله . ثم قال : ما سمعت كلاماً أحسنَ من هذا . وبلغني أن هذا الرجل اقتر حاله في أمر الدنيا حتى همّ بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد بمال كان صرف إليه ، وقال له : اجعل هذا في بضاعتك ، ولا تترك الحانوت فإنَّ التجارة لا تضرُّ مثلك . ويقال : إن هذا لم يكن يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه . هـ . وكان عبد الله بن المبارك يصرف مصروفه لأهل العلم ، ويقول : إني لا أعرف بعد النبوة أفضل من العلماء ، فإذا اشتغل قلب أحدهم بالحاجة والعيلة لم يتفرغ للعلم ، ولا يقبل على تعليم الناس ، فرأيت أن أكفيهم أمر الدنيا لأفرغهم للعلم ، فهو أفضل . هـ . والله تعالى أعلم .