Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 275-277)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { الربا } في الأصل : هو الزيادة ، رَبا المال يربو : زاد . وكتبت بالواو مراعاة للأصل ، وهو المصدر ، قال الفراء : إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الكتابة من أهل الحيرة ، ولغتهم الربو ، فعلموهم صورة الحروف ، وكذلك قرأها أبو السمال العدوي ، وقرأ الأخَوَان بالإمالة لمكان الكسرة ، والباقون بالتفخيم . والربا في اصطلاح الشرع على قسمين : ربا الفضل وربا النِّسَاءِ ، فأما ربا الفضل فهو التفاضل بين الطعامين أو النقدين في المبادلة من الجنس الواحد ، فإن اختلفت الأجناس فلا حرج ، وأما ربا النساء فهو بيع الطعامين أو النقدين بعضهما ببعض بالتأخير ، وهذا حرام ولو اختلفت الأجناس . يقول الحقّ جلّ جلاله : { الذين يأكلون الربا } أي : يأخذونه ، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال ، { لا يقومون } من قبورهم يوم البعث { إلا كما يقوم } المجنون { الذي يتخبطه الشيطان من } أجل { المس } الذي يمسه يقوم ويسقط ، رُوِيَ أن بطونهم تكون أمامهم كالبيت الضخم ، يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أُسْرِيَ بِي إلى السماء رأيتُ رِجالاً بُطُونُهُمْ كَالبُيوتِ ، فيهَا حَيَّاتٌ تُرى مِنْ خِارِجِ بُطُونِهمْ ، فقلت مَنْ هؤلاءِ يا جِبْرِيل ؟ فقال : أكَلَةُ الرِّبا " . ذلك العذاب بسبب أنهم استحلُّوا الربا ، و { قالوا إنما البيع مثل الربا } فنظموا الربا والبيع في سلك واحد ، وفيه عكس التشبيه . والأصل : إنما الربا مثل البيع ، قصدوا المبالغة ، كأنهم جعلوا الربا أصلاً وقاسوا عليه البيع . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حلّ ماله على غريمه يقول الغريم : زدني في الأجل أزدك في المال ، فيفعلان ، ويقولان : سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل الدين ، هو مراضاة فكذبهم الحقّ تعالى بقوله : { وأحلّ الله البيع وحرّم الربا } لأن القياس مع وجود النص فاسد ، والفرق ظاهر فإن من باع درهماً بدرهمين ضيع درهماً من غير فائدة ، بخلاف من اشترى سلعة بدرهم ، وباعها بدرهمين ، فلعل مساس الحاجة ، والرغبة فيها ، توقع رواجها فيجبر الغبن . { فمن جاءه موعظة من ربه } كالنهي عن الربا { فانتهى } وترك الربا { فله ما سلف } قبل التحريم ولا يَرُدُّهُ ، { وأمره إلى الله } لا إلى أحد منكم ، فلا يتعرض له ، { ومن عاد } إلى تحليل الربا بعد بلوغه النهي { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } لأنهم كفروا وسفهوا أمر الله . { ويمحق الله الربا } أي : يذهب بركته ، ويُهلك المال الذي يدخل فيه { ويربي الصدقات } أي : يضاعف ثوابها ويُبارك في المال الذي أخرجت منه ، فقد رُوِيَ عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " ما نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدقة " " وأنه يُربي الصدقةَ حتى تكونَ مثلَ الجبل " قال يحيى بن معاذ : ما أعرفُ حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبَّةَ من الصدقة . { والله لا يحب كل كفّار } أي : مُصِرٍّ على تحليل المحرمات ، { أثيم } أي : منهمك في ارتكاب المنهيات ، أي : لا يرتضي حاله ، ولا يحبه كما يحب التوابين . ثم ذكر مقابله فقال : { إن الذين آمنوا } بالله ، وصدَّقُوا بما جاء من عنده ، { وعملوا } الأعمال { الصالحات وأقاموا الصلاة } أي : أتقنوها { وآتوا الزكاة } أي : أدوها على التمام ، فلهم أجرهم عند ربهم إذا قدموا عليه ، { ولا خوف عليهم } من آت ، { ولا هم يحزنون } على ما فات ، إذ لم يفتهم شيء حيث وجدوا الله .