Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 278-279)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا } أي : اتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا ، فلا تقبضوها منهم ، { إن كنتم مؤمنين } . فإن دليل الإيمان : امتثال ما أمرتم به ، رُوِيَ أنه كان لثقيف مال على بعض قريش ، فطالبوهم عند الحَلِّ بالمال والربا ، فنزلت الآية . { فإن لم تفعلوا } وتتركوا ما نهيتم عنه ، { فأذنوا } أي : فاعلموا { بحرب من الله ورسوله } ومن قرأ : { فآذنوا } بالمد ، فمعناه : أعلموا بها غيركم ، رُوِيَ أنها لما نزلت ، قالت ثقيف : لا يَدَانِ لنا بحرب الله ورسوله . { وأن تبتم } من تعاطي الربا واعتقاد حله { فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون } الغريم بأخذ الزيادة ، { ولا تظلمون } بنقص رأس مالكم . مفهومه أن لم يتب فليس له شيء ، لأنه مرتد . والله تعالى أعلم . الإشارة : مدار صفاء المعاملة على تصفية اللقمة ، فمن صفَّا طعمته صفت معاملته ، ومن صفت معاملته أفضى الصفاء إلى قلبه ، ومن خلط في لقمته تكدرت معاملته ، ومن تكدرت معاملته تكدر قلبه ، ولذلك قال بعضهم : مَنْ أكَلَ الحلال أطاع الله ، أحبَّ أم كَرِهَ ، ومن أكل الحرام : عصى الله ، أحبَّ أم كَرِه وكذلك الواردات الإلهية ، لا ترد إلا على من صفا مطعمه ومشربه ، ولذلك قال بعضهم : من لا يعرف ما يدخل بطنه لا يفرق بين الخواطر الربانية والشيطانية . وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه : اعلم أن المدد الذي لم يزل فياضاً على قلب كل إنسان ويتلون بحسب القلب ، والقلب يتلون بحسبه هو بحسب صلاح الطعمة وفسادها . هـ . فالذين يأكلون الحرام كالربا وشبهه ، ولا يقومون إلى معاملتهم للحق إلا كما يقوم المجنون الذي يلعب به الشيطان ، ولا يدري ما يقول ولا ما يقال له ، فقد حُرم لذيذ المناجاة وحلاوة خلوص المعاملات ، فإن احتج لنفسه واستعمل القياس لم يُرْجَ فلاحُه في طريق الخواص ، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى ، وطلب العفاف فقد عفا الله عما سلف . ومن عاد إلى ما خرج عنه من متابعة هواه ، فنار القطيعة مثواه ومأواه . ومن شأن الحق جلّ جلاله مع عباده : أن من طلب الزيادة في حس ظاهره محق الله نور باطنه ، ومن حسم مادة زيادة الحس في ظاهره قوي الله مدد الأنوار في باطنه ، { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَواْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ } [ البقرة : 276 ] ، أي : يُقَوِّي مدد ثواب الصدقات . { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَارٍ أَثِيمٍ } [ البقرة : 276 ] ، وإنما يحب كل مطيع منيب ، وهو من آمن إيمان أهل التحقيق ، وسلك أهل التوفيق . فلا جرم أنه ينخرط في سلك أهل العناية ، ويسلك به مسلك أهل الولاية ، الذين { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } حق تقاته ، واتركوا ما بقي في باطنكم من بقايا الحس وأسبابه ، إن كنتم طالبين إيمان أهل الشهود ، والوصول إلى الملك المعبود . فإن لم تفعلوا ذلك فاعلموا أنكم في مقام البعد من حيث لا تظنون ، معاندون وأنتم لا تشعرون . وإن رجعتم إلى ربكم فلكم رؤوس أموالكم ، وهم نور التوحيد ، لا تنقصون منه ولا تزيدون عليه ، إلا إن أفردتم الوجهة إليه ، وطلبتم الوصول منه إليه ، فإن الله لا يُخيٍّب من أمَّل جُوده ، ولا يردُّ من وقَف ببابه ، بمنِّه وكرمه .