Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 280-281)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { كان } : تامة بمعنى حضر ، وقرأ أُبَيّ وابنُ مسعود : { ذا عسرة } فتكون ناقصة ، و { نظرة } : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : فعليكم نظرة ، أو فالواجب نظرة . وهو مصدر بمعنى الإنظار ، وهو الإمهال ، و { ميسرة } : فيه لغتان : الفتح والضم ، وهي مَفْعَلة من اليسر ، فالضم لغة أهل الحجاز ، والفتح لغة تميم وقَيْس ونَجْد . يقول الحقّ جلّ جلاله : وإن حضر الغريم وهو معسر ، فعليكم إنظاره ، أي : إمهاله إلى زمان يسره ولا يحل لكم أن تُضَيِّقُوا عليه ، وتطالبوه بما ليس عنده إن أقام البيِّنَةَ على عسره { وأن تصدقوا } عليه برؤوس أموالكم ولا تطالبوه بها { خير لكم إن كنتم تعلمون } ما في ذلك من الخير الجزيل والذكر الجميل . روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً ، أو وَضَعَ عنه ، أَظلَّه اللّهُ في ظِلِّ عَرْشِه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من أَحَبَّ أن تُستجاب دعوته ، وتُكشف كُربتُه ، فليُيسِّرْ على المُعسر " وقال صلى الله عليه وسلم : " من أنْظَر معسراً كان له بكل يوم صدقةٌ بمثل ما أنظره به " وقد ورد في فضل الدَّيْن قوله - عليه الصلاة والسلام : " إن الله مع المدين حتى يقضي دَيْنه ، ما لم يكن فيما يكره الله " فكان عبد الله يقول : " إني أكره أن أبيت ليلة إلا والله تعالى معي ، فيأمر غلامه أن يأخذ بدين " . وقد ورد الترغيب أيضاً في الإسراع بقضاء الدين دون مطل ، قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مشَى إلى غَريمه بحقه ، صَلَّتْ عليه دوابُّ الأرض ونُونُ الماء ، وكتبت له بكل خُطوة شجرة في الجنة ، وذنب يغفر له فإن لم يفعل ومطل فهو مُعْتَدِ " وقال أيضاً : " مَطْلُ الغَنِيِّ ظلم ، وإذا أُتْبعَ أحَدكُمْ على مَليء فَلْيتْبَعْ " . ثم قال تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } ، وهو يوم القيامة ، فتأهبوا للمصير إله بالصدقة وسائر الأعمال الصالحة ، { ثم توفّى كل نفس } جزاء ما أسلفت ، { وهم لا يظلمون } بنقص ثواب أو تضعيف عقاب . قال ابن عباس : هذه آخر آية نزل بها جبريل ، فقال : ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة ، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وعشرين يوماً . وقيل : أحداً وثمانين ، وقيل غير ذلك . والله تعالى أعلم . الإشارة : وإن كان ذو عسرة من نور اليقين والمعرفة ، فلينظر إلى أهل الغنى بالله ، وليصحبهم ويتعلَّق بهم ، وهم العارفون ، فإنهم يغنونه بالنظر . وفي بعض الأخبار : إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً . هـ . ولله رجال إذا نظروا أغنَوْا ، وفي هذا المعنى يقول صاحب العينية : @ فَشَمِّرْ ، ولُذْ بالأَوْليَاءِ فَإنَّهُمْ لَهُمْ مِنْ كِتَابِ الله تلْكَ الوقَائعُ هُمُ الذُّخْرُ لِلمَلهُوفِ ، والكَنْزُ لِلرَّجَا وَمِنْهُمْ يَنَالُ الصَبُّ مَا هُوَ طَامِعُ @@ وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه : والله ما بيني وبين الرجل إلا أن أنظر إليه وقد أغنيته . وقال فيه شيخه : نعم الرجل أبو العباس ، يأتيه البدويُّ يبول على ساقه ، فلا يُمسي إلا وقد أوصله إلى ربه . وقال شيخ شيوخنان سيدي العربي بن عبد الله : لو أتاني يهودي أو نصراني ، لَمْ يُمْسِ إلا وقد أوصلته إلى الله . هـ . وفي كل زمان رجال يُغْنُونَ بالنظر ، وقد أدركتهم ، وصحبتُهم والحمد لله ، والإشارة بقوله : { وأن تصدقوا خير لكم } إلى أهل الغنى بالله ، يتصدقون على الفقراء بالنظرة والهمة ، حتى يحصل لهم الغنى بالله . والله تعالى أعلم .