Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 40-43)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { إسرائيل } : هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل - عليهم الصلاة السلام - وهو اسم عجمي ، وبنو تميم تقول : " إسرائين " بالنون ، وإسرا بالعبرانية : عبد ، و إيل : اسم الله تعالى ، فمعناه : عبد الله ، وبنو إسرائيل : هم أولاد يعقوب عليه السلام ، و { بعهدي } من إضافة المصدر إلى فاعله ، و { بعهدكم } إلى مفعوله ، و { إياي } منصوب بفعل مضمر ، يُقدر مؤخراً . أي : أياي ارهبوا فارهبون . وحذف مفعول { ارهبون } لرؤوس الآي وكذا قوله : { وإياي فاتقون } ، والرهبة : خوف مع تحرُّز ، و { تكتموا } : معطوف على { تلبسوا } ، أو منصوب بأن مضمرة بعد النهي ، و { أنتم تعلمون } : جملة حالية . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } التي خصصتُكم بها ، بأن فضلتكم على أهل زمانكم ، وجعلت فيكم أنبياء ورسلاً ، كلما انقرض نبيّ بعثت نبيّاً آخر ، وجعلتكم ملوكاً وحكاماً على الناس ، قبل أن تفسدوا في الأرض بقتل الأنبياء ، فتكفروا بهذه النعم ، فإن الإنسان حسود غيروٌ بالطبع ، فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الحسد والغيرة على السخط والكفران ، وإذا نظر إلى ما أنعم الله به عليه حمله حب النعمة على الرضا والشكر ، فاذكروا ما أنعمت به عليكم ، وقيدوه بالشكر ، { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الذي عهدت إليكم ، وهو أنكم إن أدركتم محمداً صلى الله عليه وسلم لتؤمنن به ولتنصرنه ، ولتبينن صفته التي في كتابكم ، ولا تكتمونها ، { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } بأن أدخلكم جنتي ، وأبيح لكم النظر إلى وجهي ، وأحل عليكم رضواني في جملة عبادي ، ولا ترهبوا أحداً غيري ، فإنه لا فاعل غيري . وبادروا إلى الإيمان { بِمَا أَنْزَلْتُ } على محمد رسولي ، من كتابي ، الذي هو مصدق { لِّمَا مَعَكُمْ } من التوراة ، ومهيمن عليه ، { وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ } فريق { كَافِرِ بِهِ } ، فتبوؤوا بإثمكم وإثم من تبعكم ، ولا تستبدلوا الإيمان الذي هو سبب الفوز في الدارين ، بالعرضِ الفاني الذي تأخذونه من سفلتكم ، فإنه ثمن قليل يعقبه عذاب جليل وخزي كبير . ولا تخشوا أحداً سواي فإن النفع والضرر بيدي ، ولا تخلطوا { الْحَقَّ } الذي هو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته التي في كتابكم ، { بِالْبَاطِلِ } الذي تريدونه تحريفاً وتأويلاً ، { و } لا { تكتموا الحّقَّ } الذي عندكم ، من ذكر محمد وصحة رسالته ، { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنكم محرفون ، ولابسون عناداً وحسداً ، فيحل عليكم غضبي وعقابي ، { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى } [ طه : 81 ] . فإذا حصلتم أصول الدين ، وهو الإيمان ، فاشتغلوا بفروعه ، وهي الصلاة والزكاة وغيرهما ، فأدوهما على منهاج المسلمين . واجعلوا صلاتكم في جماعة المؤمنين فإنَّ صلاة الجماعة تُفضلُ غيرها بسبعٍ وعشرين درجة ، مع سريان واقتباس الأنوار من الصالحين والأبرار ، وبالله التوفيق . الإشارة : إذا توجَّه الخطاب إلى طائفة مخصوصة ، حمله أهل الفهم عن الله على عمومه لكل سامع ، فإن الملك إذا عاتب قوماً بمحضر آخرين ، كان المراد بذلك تحذير كل مَن يسمع ، فكأن الحق جلّ جلاله يقول : يا بني آدم اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وتفكروا في أصولها وفروعها ، واشكروني عليها بنسبتها إليَّ وحدي ، فإنه لا منعم غيري ، فمن شكرني شكرته ، ومن فيض إحساني وبري مددته ، ومن كفر نعمتي سلبته ، وعن بابي طردته ، وأوفوا بعهدي بالقيام بوظائف العبودية ، أوف بعهدكم بأن أطلعكم على أسرار الربوبية . أو : { أوفوا بعهدي } بالقيام برسوم الشريعة ، { أوفِ بعهدكم } بالهداية إلى منار الطريقة ، أو : { أوفوا بعهدي } بسلوك منهاج الطريقة ، { أوفِ بعهدكم } بالإيصال إلى عين الحقيقة ، أو : { أوفوا بعهدي } بالاستغراق في بحر الشهود ، { أوفِ بعهدكم } بالترقي أبداً غلى الملك الودود ، وخصّوني بالرهب والرغب ، وتوجهوا إليّ في كل سؤال وطلب ، أعطف عليكم بعنايتي وودي ، وأمنحكم من عظيم إحساني ورفدي ، { وآمنوا بما أنزلت } على قلوب أوليائي ، ومن مواهب أسراري وآلائي ، تصديقاً لما أتحفت به رسلي وأنبيائي ، فكل ما ظهر على الأولياء فهو معجزة للأنبياء وتصديق لهم ، ولا تبادروا بالإنكار على أوليائي ، فتكونوا سبباً في طرد عبادي عن بابي ، ولا يمنعكم حب الرئاسة والجاه عن الخضوع إلى أوليائي ، ولا ترقبوا أحداً غيري ، فإني أمنعكم من شهود سري . { ولا تلبسوا الحق بالباطل } ، فتظهروا شعار الصالحين وتبطنوا أخلاق الفاسقين ، تتزيوا بزي الأولياء ، تفعلوا فعل الأغوياء ، وإذا تحققتم بخصوصية أحد من عبادي ، فلا تكتموها عن أهل محبتي وودادي ، وأقيموا صلاة القلوب بالخضوع تحت مجاري الأقدار ، وأدّوا زكاة النفوس بالذل والانكسار ، وكونوا مع الخاشعين ، { واركعوا مع الراكعين } ، أمنحكم معونتي ونصري ، وأفيض عليكم من بحر إحساني وبري ، أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي .