Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 38-39)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إن } : شرط ، و { ما } زيدت لتقوية الشرط ، ولذلك دخلت نون التوكيد ، وعبر بإن دون { إذا } ، مع تحقق مجيء الهدى لأنه غير واجب عقلاً ، وجملة الشرط الثاني وجوابه ، الشرط الأول ، و { جميعاً } حال مؤكدة أي : اهبطوا أنتم أجمعون ، ولذلك لا يقتضي اجماعهم على الهبوط في زمان واحد . ولما أمر الحقّ جلا جلاله آدم أولاً بالهبوط من الجنة ، جعل يبكي ويتضرّع ويقول : ألم تخلقني بيدك ؟ ألم تسجد لي ملائكتك ؟ ألم تدخلني جنتك ؟ ثم ألهم الكلمات التي تلقاها من ربه ، فتاب عليه ورحمه ، فطمع آدم حين سمع من ربه قبول توبته في البقاء في الجنة ، فقال له الحقّ جلّ جلاله : يا آدم لا يجاورني من عصاني ، وقد سبقت كلمتي بهبوطك إلى الأرض لتكون خليفتي بذريتك ، فكرّر عليه الأمر بالهبوط ثانياً . فقال : { اهبطوا منها جميعا } أنتما بما اشتملتما عليه من ذريتكما . فمهما { يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدىً } أي : بيان وإرشاد إلى توحيدي ومعرفتي ، على يد رسول أو نائب عنه ، { فَمَن تَبعَ } ذلك الإرشاد ، واهتدى إلى معرفتي وتوحيدي ، وعمل بطاعتي وتكاليفي ، { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من لحُوق مكروه { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } من فوات محبوب ، لأني أَصرف عنهم جميع المكاره ، وأجلب لهم المنافع ، { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } الدالّة على قدرتنا المنزلة على رسلنا ، { وَاسْتَكْبَرُواْ } [ النِّساء : 173 ] عن النظر فيها ، أو عن الخضوع لمن جاء بها ، { أُوْلَئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . الإشارة : إذا سكنت الأرواح في عُشِّ الحضرة ، وتمكنت من الشهود والنظرة ، أمرها الحق تعالى بالنزول إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ ، فتنزل بالإذن والتمكين ، والرسوخ في اليقين ، لا لطلب جزاء أو لقضاء شهوة ، بل تنزل بالله ومن الله وإلى الله ، فمن نزل منها على هذا الهدى الحسن { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ، ومن ركب بحر التوحيد مع غير رئيس عارف ، ولم يأوِ إلى سفينة الشريعة ، واستكبر عن الخضوع إلى تكاليفها لعبت به الأمواج ، فكان من المغرقين . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } لأن من تحقق ولم يتشرع فقد تزندق ، ومن تشرع ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ، جعلنا الله ممن تحقق بهما . وسلك على مهاجهما إلى الممات ، آمين . ولما ذكر الحق تعالى شرف كتابه ، ونفى وجد الريب عن ساحته ، ثم دعا إلى توحيده ، وبرهن على وجوده ، بابتداء خلق العالم من عرشه إلى فرشه ، وذكر كيفية ابتداء عمارته ، خاطب بني إسرائيل لأنهم أهل العلم بالأخبار المتقدمة ، وقد مسعوا هذه الأخبار نَبِي أُمِّي لم يُعْهَدْ بقراءةٍ ولا تعلم ، فقامت الحجة عليهم ، وتحققوا أنه من عند الله . وما منعهم من الإسلام إلا الحسد وحب الرئاسة ، فلذلك أطال الحق الكلام معهم ، تارةً يُقرِّعَهم على عدم الإيمان وما فعلوا مع أنبيائهم ، وتارة يذكرهم النعم التي أنهم الله على أسلافهم .