Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-46)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الصبر : هو حبس القلب على حكم الرب ، فيحتمل أن يراد به ظاهره ، أو يراد به هنا الصوم ، لأن فيه الصبر عن الشهوات . والخشوع في الجوارع : سكونها وذُلها ، والخضوع في القلب : انقياده لحكم الرب . يقول الحقّ جلّ جلاله : يا مَن ابتلي بالرئاسة والجاه ، استكبر عن الانقياد لأحكام الله التي جاءت بها الرسل من عند الله ، استعن على نفسك { بالصبر } على قطع المألوفات ، وترك الحظوظ والشهوات ، وأصل فروعها حب الرئاسة والجاه ، فمن صبر على تركهما فاز برضوان الله . وفي الحديث : " وفي الصبر على ما تكرَهُ خيرٌ كثير " . قال الشاعر : @ والصَّبْرُ كالصْبرِ مُرٌ في مذَاقَتِه لَكِنْ عَواقِبُه أحلَى مِن العسلِ @@ أو : { وَاسْتَعِينُوا } بالصوم { وَالصَّلاةِ } ، فإن في الصوم كَسْرَ الشَّهْوَةِ وتصفية النفس ، فإذا صفت النفس من الرذائل تحلت بأنواع الفضائل ، كالتواضع والإنصاف ، والخشوع وسائر سني الأوصاف ، وفي الصلاة أنواع من العبادات النفسية والبدنية ، كالطهارة ، وستر العورة ، وصرف المال فيهما ، والتوجه إلى الكعبة ، والعكوف للعبادة ، وإظهار الخشوع بالجوارح ، وإخلاص النبيّة بالقلب ، ومجاهدة الشيطان ، ومناجاة الرحمن وقراءة القرآن ، وكف النفس عن الأطْيَبَيْنِ ، وفي الصلاة قضاء المآرب وجبر المصائب ، ولذلك كان - عليه الصلاة والسلام - إذا حزّ به أمر فزع إلى الصلاة ، { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } أي : شاقة على النفس لتكريرها في كل يوم ، ومجيئها وقت حلاوة النوم ، { إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } الذين سكنت حلاوتها في قلوبهم ، وتناجوا فيها مع ربهم ، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم . الذين يتيقنون { إَنَّهُمْ مُّلاقُوا رَبِّهِمْ } فيتنعمون بالنظر إلى وجه الكريم ، ويتيقنون أيضاً أنهم راجعون إلى ربهم بالبعث والحشر للثواب والعقاب ، وإنما عبَّر الحق تعالى هنا بالظن في موضع اليقين إبقاء على المذنبين ، وتوفراً على العاصين ، الذين ليس لهم صفاء اليقين إذ لو ذكر اليقين صرفاً لخرجوا من الجملة ، فسبحانه من رب حليم ، وجواد كريم . اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة واليقين ، حتى لا يختلج قلوبنا وَهْمٌ ولا ريب ، يا رب العالمين . الإشارة : يا من رام الدخول إلى حضرة الله ، تذلل وتواضع لأولياء الله ، وتجرّع الصبر في ذلك كي يدخلوك حضرة الله ، كما قال القائل : @ تَذللْ لِمنْ تهْوى فَلَيْسَ الهوَى سَهْلُ إذا رَضِي المَحْبُوبُ صَحَّ لكَ الوَصْلُ @@ فإن منعك من ذلك حب الرئاسة والجاه ، فاستعن على ذلك بالصبر والصلاة ، فإن الصبر عنوان الظفر ، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . فأدمن قرع الباب حتى تدخل مع الأحباب ، فالإدمان على عبادة الصلاة أمره كبير ، إلا مَن خلص إلى مناجاة العلي الكبير ، وتحقق بملاقاة الشهود والعيان ، ورجع إلى مولاه في كل أوان ، فإن الصلاة حينئذٍ تكون له من قرّة العين . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ولما أمرهم بالأصول والفروع ، ذكَّرهم بالنعم ، وخوفهم بالوعيد على عدم شكرها .