Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-54)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : البارىء هو : المقدر للأشياء والمظهر لها . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكروا يا بني إسرائيل حين { قال } موسى { لقومه } لما رجع من الطور ، ووجدهم قد عبدوا العجل : { يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنفُسَكُم } وبخستموها { باتخاذكم العجل } إلاهكم ، { فَتُوبُوا إلَى } خالقكم الذي صوركم في أحسن تقويم ، { فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } بهدم هذه البنية التي ركبتها في أحسن صورة ، فبخستموها ، ولم تعرفوا قدرها ، فعبدتم أبلد الحيوان ، الذي هو البقرة . من لم يعرف حق النعمة فحقيق أن تُسترد منه . فذلكم القتل والمبادرة إلى التوبة { خير لكم } عِندَ خالقكم ، لأنه يفضي إلى الحياة الدائمة والبهجة السرمدية ، فلما صعب عليكم القتل للشفقة على الأخ أو القريب ، ألقينا عليكم ضبابة حتى أظلم المكان ، فاقتتلتم من الغداة إلى العشي ، فدعا موسى وهارون - عليهما السلام - بالكشف عنهم ، فرفعت السحابة ، وقد قُتل سبعون ألفاً ، ففعلتم ذلك القتل ، فتاب الحق تعالى عليكم ، فقبل توبة مَن بقي منكم ، وعفا عمت مات { إنه هو التواب الرحيم } أي : كثير التوفيق للتوبة ، أو كثير قبولها ، الرحيم بعباده المؤمنين . الإشارة : ما قاله سيدنا موسى عليه السلام لقومه ، يقال مثله لمن عبد هواه ، وعكف على متابعة دنياه : يا من بخس نفسه بإرخاء العنان في متابعة هواها ، حتى حرمها من مشاهدة جمال مولاها ، تُب إلى ربك ، وانتبه من غفلتك ، واقتل نفسك بمخالفة هواها ، فلعلها تحيا بمشاهدة مولاها ، فما دامت النفس موجودة ، وحظوظها لديها مشهودة ، وآمالها ممدودة ، كيف تطمع أن تدخل حضرة الله ، وتتمتع بشهود جماله وسناه ؟ ! @ إن تُرِدْ وصْلَنا فَمَوتُكَ شَرْطٌ لا يَنالُ الوِصَالَ مَنْ فيهِ فَضْلَهْ @@ وقال الحلاجُ في هذا المعنى : @ لَمْ أُسْلِم النفسَ للأسقامِ تُتْلِفُها إلاَّ لِعِلْمِي بأَنَّ الوصْلَ يُحْيِيهَا @@ وقال أيضاً : @ أُقتُلوني يا ثقاتي إِنَّ في قَتْلِي حَياتِي وحَيَاتي في مَماتِي وممَاتي في حَياتي أنا عندي : مَحْوُ ذَاتي من أجَلِّ المكْرُمَاتِ وبَقَائِي في صِفاتي مِنْ قبيحِ السيِّئَاتِ @@ وقال أيضاً : @ إنْ كان سَفْكُ دَمي أقْصَى مُرادِكُمُ فَمَا غَلَتْ نظرةٌ مِنكُم بِسَفْك دَمِي @@ وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : لا يدخل على الله إلا من بابين ، أحدهما : الموت الحسي ، وهو الموت الطبيعي ، والآخر : الموت الذي تعنيه هذه الطائفة . هـ . وهو موت النفوس ، فمن لم تمت نفسه لم تَحْيَى روحه . وقال بعض العارفين : لا يحصل الدخول على الله حتى يموت أربع موتات : موت أحمر ، وموت أسود ، وموت أبيض ، وموت أخضر . أما الموت الأحمر فهو مخالفة الهوى ، وأما الموت الأسود فهو تحمل الأذى ، وأما الموت الأبيض فهو الجوع - أي : المتوسط - وأما الموت الأخضر فهو لبس المرقعات ، وطرح الرقاع بعضها على بعض . قلت : ورأس الهوى وعنصره هو حب الجاه وطلب الرئاسة . فمن نزل إلى أرض الخمول ، وخرق عوائد نفسه فيه ، انخرقت له الحجب ، ولاحت له الأنوار ، وأشرقت عليه الأسرار في مدة قريبة ، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق .