Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { استسقى } : طلب السقي ، و " الـ " في { الحجر } للعهد ، وهو الحجر الذي فرَّ بثوبه ، أو حجر خفيف مربع مثل رأس الرجل ، أُمر أن يحمله معه ، فكان يضعه في مخلاته ، فإذا احتاج الماء ضربه ، قيل : كان من رخام ، وقيل : كان كذَّان ، كان فيه اثنتا عشرة حفرة ، تنبع من كل حفرة عين ماء عذب ، على عدد الأسباط ، فإذا أراد حمله ضربه فجفّ الماء منه ، وقيل : للجنس ، فكان يضرب أيَّ حجر وجد ، فتنفجر منه عيوناً ، ثم تسير كل عين في جدول إلى سبط ، فقالوا : إن أفضينا إلى أرض لا حجارة فيها عطشنا ، فأوحى إليه : أن كلِّمْهُ يَطِعْك لعلهم يعتبرون . و { فَانْفَجَرَتْ } معطوف على محذوف أي : فضرب فانفجرت ، والعُثو : أشد الفساد ، عَثَا يعثَوا عثواً ، وعثى يعثِي عثِياً ، وعاث يعيث عيثاً ، و { مفسدين } : حال مؤكدة لعاملها ، أو مقيدة ، إن قلنا : إن العثو أعم من الفساد ، لصدقه على القصاص ، فإنه عثر غير فساد . انظر البيضاوي . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكروا يا بني إسرائيل حين عطشتم في التيه ، فطلبتم من موسى السقي ، فاستسقى لكم ، { فقلنا } له : { اضرب بعصاك } التي أخذتها من شعيب عليه السلام ، وكانت من آس الجنة ، وورثت عن آدم عليه السلام ، فيها عشرة أذرع ، فضرب { فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } على عدد أسباطكم ، فكل عين تجري إلى سبط { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسِ مَّشْرَبَهُمْ } مُعَيناً ، لا يعدو أحد على أحد ، فقلنا لهم : { كُلُوا } من المن والسلوى ، { واشربوا } من الماء الذي رزقناكم ، ولا تطغوا بالنعم فتفسدا في الأرض بالمعاصي والذنوب ، فيكون ذلك كفراً مستوجباً للسلب بعد العطاء ، رُوِيَ أنهم كانوا ستمائة ألف ، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلاً . والله تعالى أعلم . الإشارة : اعلم أن الأرواح إذا تطهرت من الأكدار ، وتحررت من الأغيار ، وأشرقت عليها الأنوار والأسرار ، وكمل تطهيرها ، وتمت تصفيتها ، كان صاحبها آية من آيات الله ، وحجة من حجج الله ، إذا ضرب بعصا همته القلوب القاسية أو الأنفس الأبية ، لانت وانفجرت بالعلوم القدسية ، كل واحد بما يليق به ، فمنها من تنبع بالعلوم الوهبية ، ومنها من تنبع بالعلوم الرسمية ، ومنها من تنبع بالكرامات وخوارق العادات ، ومنها من تنبع منها المكاشفات والاطلاعات ، قد علم كل أناس مشربهم ، على حسب ما سبق لهم ، فيقول الحق تعالى لهم : كلوا من ثمرات ما اجتنيتم من العلوم والمعارف التي أوليناكم ، واشربوا من مناهل المنازل التي فيها أقمناكم ، أو كلوا من ثمرات المعرفة ما تتقوى به معانيكم ، واشربوا من خمر الحبيب ما تغيبوا به عن وجودكم ، ولا تتعدوا أطواركم من القيام بوظائف العبودية ، ومعرفة عظمة الربوبية ، فتكونوا لسلب ما أولاكم متعرضين ، ولعقوبته مستحقين ، عائذاً بالله من السلب بعد العطاء . آمين .