Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 58-59)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { حِطة } : خبر مبتدأ مضمر ، أي : أمرنا حطة ، أي : تواضع وانحطاط ، وقال هنا : فكلوا ، وفي الأعراف بالواو لأن الأكل مرتب على الدخول ، بخلاف السكنى ، فإنها تفارق الأكل ، فكأنه مأمور به . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكروا يا بني إسرائيل حين قلنا لأسلافكم بعد أن خرجوا من التيه : { ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } أعني بيت المقدس ، أو أريحاء ، بعد أن تُجاهدوا أهلها ، { فَكُلُوا } من نعم ما فيها أكلاً واسعاً لأنها مخصبة ، { وَادْخُلُوا } باب القرية راكعين ، تواضعاً وشكراً ، { وَقُولُوا } في دخولكم : شأننا { حِطَّةٌ } ، أي : شأننا الانحطاط والتواضع لله ، فإن فعلتم ذلك { نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيد } من امتثل أمرنا ، وأحسن الأدب معنا ، خيراً كثيراً ، في الدنيا والآخرة ، { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم قَوْلاً غيْر الَّذِي أمروا به ، وقالوا مكان حطة : حنطة ، حبة في شعرة ، { فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً } عذاباً { مِّنَ السَّمَاءِ } قيل : هو الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفاً في يوم واحد ، بسبب فسقهم وتعديهم الحدود . الإشارة : يقول الحق سبحانه للأرواح ، لما كمل تطهيرها من البقايا ، وتكاملت فيها المزايا : ادخلوا هذه الحضرة المقدسة ، وتنعموا فيها حيث شئتم بالمشاهدة ، والمكالمة ، والمواجهة ، والمساورة ، والمفاتحة ، والمناجاة ، وادخلوا بابها أذلاء صاغرين ، فلا دخول للحضرة المقدسة إلا من باب الذل والافتقار ، وأنشدوا : @ ومَا رُمتُ الدخولَ عليهِ حتَّى حَلَلْتُ مَحَلَّةَ العبدِ الذليلِ وأَغمضْتُ الجفُونَ على قَذَاها وصُنْت النَّفْسَ عن قالٍ وقيلِ @@ وقيل لأبي يزيد : يا أبا يزيد ، خزائننا معمورة بالخدمة ، ائتني من كوّة الذل والافتقار . وفي رواية قيل له : يا أبا يزيد : تقرب إلينا بما ليس عندنا ، فقال : يا رب وما الذي ليس عندك ؟ فقال : الذل والافتقار . هـ . وقال شيخ المشايخ القطب الجيلاني رضي الله عنه : أتيت الأبواب كلها ، فوجدت عليها الزحام ، فأتيت من باب الذل والافتقار ، فوجدته خالياً ، فدخلت منه ، وقلت : هلموا . أو كما قال . وقال الشاعر : @ تَذَللْ لِمنْ تَهْوى فَلَيْسَ الهَوى سَهْلُ إذا رَضِيَ المحْبُوبُ صَحَّ لكَ الوّصْلُ @@ وقولوا عند دخولكم الحضرة : شأننا حطة أي : شأننا السفليات دون العلويات ، فالسلوك من باب السفليات واجب ، وإلا فلا وصول ، فكل مَن سلك من باب السفليات طهر من البقايا ، وتكاملت فيه المزايا ، فيصلح لدخول الحضرة ، وينخرط في سلك أهل الشهود والنظرة ، فيكون من المحسنين المقربين ، فلا جرم أن الله يزيده ترقياً في العلوم والأسرار ، في هذه الدار ، وفي تلك الدار ، بخلاف مَن خالف ما أمر به من سلوك طريق السفليات ، وتعاطي الأمور العلويات ، قبل كمال التربية فإنه يجرع إلى غم الحجاب ، وسوء الحساب بسبب خروجه عن طريق الأحباب ، وسلوكه طريق أهل الغفلة والارتياب ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .