Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 62-62)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إن } : ناصبة مؤكدة ، وخبرها : جملة { مَن آمن } أو { فلهم أجرهم } . و { مَن آمن } : بدل من اسمها ، أو محذوف ، والموصول : مبتدأ أي : إن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والذين هادوا كذلك . و { هادوا } : تهودوا ، أي : دخلوا في اليهودية . وسمّوا يهوداً إما نسبة لأبيهم الأكبر يهوذا بن يعقوب ، أو مِنْ هَادَ ، إذَا تَابَ لأنهم تابوا من عبادة العجل . والنصارى : جمع نصران ، وسُموا بذلك إما لنصرهم المسيح عليه السلام ، أو لسكناهم معه في قرية يقال لها : نصران ، والصابئون : طائفة من أهل الكتاب ، خرجوا عن دين اليهودية وعبدوا الكواكب ، يقال : صبا يصبو ، إذا مال وخرج من دين إلى دين . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا بموسى ، والذين آمنوا بعيسى - عليهما السلام - ، والذين خرجوا عن دينهم وصبوا ، { مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخِرِ } وتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وعمل بشريعته ، { فلهم أجرهم عند ربهم } إذا قدموا عليه بالنعيم المقيم ، والنظر إلى وجهه الكريم ، { وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِم } حين يخاف الكفار ، { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } حين يحزن المفرطون والأشرار إذ لا يلحقهم وبال ولا يفوتهم نوال . وبالله التوفيق . الإشارة : إن الذين آمنوا إيماناً لا يختلجه وهم ، ولا يطرق ساحته شك ولا ريب ، إما عن برهان قاطع ، أو عن شهود ساطع ، والذين تابوا عن هواجس الخواطر وغفلات الضمائر ، والذين نصروا الدين ، وشيّدوا منار شريعة المسلمين ، والذين صبوا إلى الحبيب ، ومالوا عن كل بعيد وقريب ، فهؤلاء الذين سبقت لهم من الله العناية ، وهبت عليهم ريح الهداية ، جمعوا بين تزيين البواطن بأنوار الإيقان ، وتزيين الظواهر بأنواع الطاعة والإذعان ، فلا جرم أنهم ، إذا قدموا على ربهم ، أجلَّ منصبهم ، وأجزل ثوابهم ، وأعلى مقامهم ، فأولئك اولياء الله الذين { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . فالمخصوصون بالعناية أربعة : قوم أقامهم الحق تعالى لتنمية الإيمان وتربية الإيقان ، إما عن دليل وبرهان - وهم أهل النظر والاعتبار ، - وإما عن شهود وعيان - وهم أهل الشهود والاستبصار - ، وقوم أقامهم الحق تعالى لتصفية نفوسهم وتزكية أحوالهم بالتوبة ، والإقلاع عن كل وصف مذموم ، وهم السائرون والطالبون ، وقوم أقامهم لنصر الدين وإظهار شريعة المسلمين ، إما بتقرير قواعده أو جهاد معانده ، وهم العلماء والمجاهدون ، وقوم أقامهم لخدمته ، وملأ قلوبهم بهيبته ، وهم العُباد والزهاد ، مالوا عن الشهوات وتأنسوا به في الخلوات ، هجرو الأوطان وفارقوا الأحباب والإخوان ، صبوا إلى محبة الحبيب وتلذذوا بمناجاة القريب ، فهؤلاء المخصوصون بعين العناية ، المحفوظون بغاية الرعاية ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس . حققنا الله بمقام الجميع بمنّه وكرمه . آمين .