Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-66)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { لولا } حرف امتناع لوجود ، تلزم الدخول على المبتدأ ، وخبرها واجب الحذف عند سيبويه ، أي : لولا فضل الله عليكم ورحمته موجودان ، وقال الكوفيون ، فاعل بمحذوف : أي : لولا أن ثبت فضل الله عليكم ورحمته ، ولكنتم : جوابها . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكروا يا بني إسرائيل حين { أَخَّدْنَا مِيثَاقَكُمْ } أن تقبلوا تكاليف التوراة ، وكانت شاقة عليهم ، فلما أبيتم قبولها ، قلعنا الطور ، ورفعناه فوقكم على مقدار عسكركم ، كالظلة ، وقلنا لكم : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم } من التوراة بجد واجتهاد ، { واذكروا ما فيه } من الوعظ والتذكير { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } الله ، فتفوزون بالخير الكثير ، فقبلتم ذلك كرهاً { ثُمَّ تَوّلَّيْتُم } وأعرضتم بعد لك ، فسفكتم الدماء ، وقتلتم الأنبياء ، { فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بتوفيقكم للتوبة ، { وَرَحْمَتُهُ } بقبولها منكم ، فخسرتم الدنيا والآخرة . { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } ما جرى للذين { اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ } في زمن داود عليه السلام ، وذلك في قرية يقال لها : " أيْلة " ، كانت على شاطئ البحر ، وقد نُهوا عن الاصطياد يوم السبت ، فكانت الحيتان تخرج يوم السبت شُرَّعاً ، فتُخْرِج خراطيمها للبر ، فإذا كان يوم الأحد دخلت في البحر ، فحفروا حياضاً ، وشرعوا إليها جدوال ، فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد ، فلمَّا لمْ يُعاقبوا على ذلك أحلُّوا يوم السبت ، فانقسمت القرية على ثلاث فرق : قوم نهوا ، وقوم سكتوا ، وقوم اصطادوا ، فمُسِخ من اصطاد قردة وخنازير الشُّبان قردة ، والشيوخ خنازير ، فبقوا ثلاثة أيام وماتوا . فجعلنا تلك الفعلة التي فعلنا بهم - { نَكَالاً } وزجراً { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } في زمانها ، وما خلفها من يأتي بعدها ، { وموعظة } : وتذكيراً { للمتقين } من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . الإشارة : اعلم أن المريدين إذا دخلوا في يد شيخ ، وأخذوا عنه العهد ، حملهم من أعباء التكليف وخرق العائد ما تموت به نفسوهم ، وتحيا به قلوبهم ، كذبح النفوس وحط الرؤوس ودفع الفلوس ، فإذا هموا بالتقصير ، ظلل عليهم جبل همته ، وأدار عليهم يد حفظه ورعايته ، ولذلك قال الشيخ أبو الحسن : والله لا يكون الشيخ شيخاً حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب . والمراد باليد : الهمة والحفظ ، ولا يزال الشيخ يراسلهم بهذه التكاليف ، ويحضّهم على الأخذ بها ، والاجتهاد في العمل بها ، حتى تموت نفوسهم وتحيا قلوبهم ، وترسخ معرفتهم ، وتكمل تربيتهم ، فحينئذٍ ينتقلون إلى روح وريحان في جنات الشهود العيان . قلت : وقد كان شيخنا يرسل لنا البطاقات في حال البدايات ، فما كانت أفتحها حتى ترتعد نفسي مما فيها ، لأنها تعلم أنه ما يُرسل لها إلا ما فيه موتها ، فلولا فضل الله علينا ورحمته - حتى قوانا على العمل بما فيها - لكنا من الخاسرين ، ولقد أخطأت العناية قوماً ، فتعدوا حدود الشيوخ ، أو خرجوا عن دائرتهم قبل كمال تربيتهم ، فمسخت قلوبهم ، وانمحت في ديوان الولاية رسومهم ، جعل الله ذلك عبرة لغيرهم ، وزاجراً لمن حذا حذوهم ، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء ، وكفران النعم وحرمان الرضى ، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق .