Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : القسوة والقساوة : هي الصلابة واليبوسة ، كالشقوة والشقاوة ، يقال حجر قاس ، أي : يابس . قال الشاعر : @ وَلاَ أرَى أثراً لِلذِّكرِ في جَسدِي والحَبلُ في الجَبَل القاسِي لهُ أثرُ @@ و { أو } للإضراب ، أو بمعنى الواو ، أو للتنويع ، فبعضها كالحجارة وبعضها أشد . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم } يا معشر اليهود ، ويبست فلم تلن ولم تخضع ، مع ما رأت من الآيات كانفجار الحجر بالماء في التيه ، وإنزال المنّ والسلوى ، وتظليل الغمام ، وإحياء الميت وغير ذلك . قال الكلبي : أنكروا بعد ما رأوا ذلك ، وقالوا : ما قتلنا ، فما كانوا قد أعمى قلباً ، ولا أشد تكذيباً منهم لنبيهم عند ذلك فقلوبهم كالحجارة ، بل أشد ، أو إن شَبَّهْتم قلوبهم بالحجارة أصبتم ، وبما هو أشد أصبتم ، بل في الحجارة فضل عليها في اللين ، فإن منها ما تتفجر { مِنْهُ الأنْهَارُ } الكبار ، ومنها ما تشقق { فَيَخْرُجُ مِنْهُ } العيون الجارية ، ومنها ما تهبط من رأس الجبل { مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } . وفي بعض الأخبار : " كل حجر تَرَدَّى من رَأسِ جبلٍ فهو من خشية الله " ، وقلوبكم يا معشر اليهود لا تلين ولا تخشع ولا تأتي بخير ، نسأل الله السلامة بمنَّه وكرمه . الإشارة : كل مَن أساء الأدب مع أستاذه ، أو خرج عن دائرته إلى غيره ، قسا قلبه ، وذهب حاله ولُبه ، فإن رجع قريباً واستدرك ما فات ، لان قلبه ونهض حاله ، وإلا وقع في مهاوي القطيعة ، ولم يأت منه شيء ، وللقلب القاسي علامات : منها جمود العين ، وطول الأمل ، وعدم الحزن على ما فاته من الطاعات وما صدر منه من السيئات ، وعدم الفرح بما يصدر منه من الطاعات ، فإن المؤمن تسره حسناته وتسيئه سيئاته ، ودواؤه : صحبة الفقراء الذاكرين الخاشعين ، والجلوس بين يدي العارفين الكاملين ، وتعاهد الصيام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، والتضرّع إلى الحيّ القيوم الذي لا ينام ، وللشافعي رضي الله الله عنه : @ ولَمَا قَسَا قَلْبِي وضَاقَتْ مَذَاهِبي جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لعَفْوِك سُلَّمَا تَعَاظَمنِي ذَنْبي فَلمَّا قَرَنْتُه بعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا @@ قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ } [ البَقَرَة : 74 ] كذلك القلوب القاسية إذا لانت بالإنابة إلى ربها ، والرجوع عن مألوفاتها ، تتفجر منها أنهار العلوم ، وتشقق منها أسرار الحِكَم ، ومنها من تذوب من هيبة المتجلي لها ، فتندك جبالها ، وتزلزل أرض نفوسها ، كما قال القائل : @ لَو عَايَنتْ عَينَاكَ يومَ تزلزلتْ أَرضْ النفُوس ودُكَّتِ الأجْبَالُ لَرأَيتَ شَمسَ الحقِّ يسطعُ نورُها حِينَ التزَلْزلِ ، والرجَالُ رجالُ @@ والله تعالى أعلم .