Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-83)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { لا تعبدون } : خبر في معنى النهي ، كقوله تعالى : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } [ البَقَرَة : 282 ] ، وهو أبلغ من صريح النهي ، لما فيه من إيهام أو المنهي سارع إلى الانتهاء ، وقيل : حُذفت " أن " ، وارتفع المضارع ، وهو على حذف القول ، أي : وقلنا لهم : لا تعبدون ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالغيب . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكروا إذ أخذنا الميثاق على بني إسرائيل وقلنا لهم : لا يتصوّر منكم شرك معي ولا ميل إلى غيري ، فلا تعبدوا إلا إياي ، وأحسنوا { بالوالدين } إحساناً كاملاً ، وأحسنوا { وذي الْقُرْبَى } نسباً وديناً ، وأحسنوا باليتامى { وَالْمَسَاكِينِ } ، بالمواساة والملاطفة ، { وَقُولُوا لِلنَّاسِ } قولاً { حُسْناً } أو ذا حسن ، وهو ما لا لغو فيه ، ولا تأثيم بل ما فيه نصح وإرشاد ، { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } بإتقان شروطها وكمال آدابها ، وأدوا { الزَّكَاةَ } لمستحقها ، { ثُمَّ } بعد ذلك { تَوَلَّيْتُمْ } ، وأعرضتم { إلاَّ قَلِيلاً } ممن أسلم { مِّنكُمْ وَأَنتُم مُعْرِضُونَ } عن الحقّ ظهوره . ذكر الحق تعالى في هذا العهد أربعة أعمال : عمل خاص بالقلب ، وهو التوحيد ، وعمل خاص بالبدن ، وهو الصلاة ، وعمل خاص بالمال ، وهو الزكاة ، وعمل عام وهو الإحسان ، ورتَّبها باعتبار الأهم فالأهم ، فقدّم الوالدين لتأكيد حقهما الأعظم ، ثم القرابة لأن فيهم أجر الإحسان وصلة الرحم ، ثم اليتامى لقلّة حيلتهم ، ثم المساكين لضعفهم ، والله تعالى أعلم . الإشارة : كل عهد أخذ على بني إسرائيل يؤخذ مثله على الأمة المحمدية ، وهذا حكمة ذكر قصصهم لنا ، وسرد مساؤئهم علينا لنتحرز من الوقوع فيما وقعوا فيه ، فنهلك كما هلكوا ، وكل عهد أخذ على العموم باعتبار الظاهر يؤخذ مثله على الخصوص باعتبار الباطن ، فقد أخذ الحق سبحانه العهد على المتوجهين إليه ألا تتوجه همتهم إلا إليه ، ولا يعتمدون بقلوبهم إلا عليه ، وأن يتخلقوا بالإحسان ، مع الأقارب والأجانب وكافة الإخوان ، وخصوصاً الوالدين من قِبل البشرية أو الروحانية ، وهم أهل التربية النبوية ، فحقوق أب الروحانية تُقدم على أب البشرية ، لأن أب البشرية كان سبباً في خروجه إلى دار الفناء والهوان ، وأب الروحانية كان سبباً في دخوله إلى رَوْحٍ وريحان . وأخذ العهد على المتوجهين أن يكلموا الناس بالملاطفة والإحسان ، ويرشدوهم إلى الكريم المنان ، ويقيموا الصلاة بالجوارح والقلوب ، ويؤدوا زكاة نفوسهم بتطهيرها من العيوب ، فمن تولّى بعد ذلك فأولئك الفاسقون ، وعن دائرة الولاية خارجون .