Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 80-82)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { بلى } : حرف جواب كنعم ، والفرق بينهما أن { بلى } لا يقع إلا في جواب النفي ويصير إثباتاً ، تقول : ألم يأت زيد ؟ فتقول : بلى . أي : أتى ، ومثله : { قالوا لن تمسنا النار } فقال تعالى : { بلى } أي تمسكم ، بخلاف نعم فإنها لتقرير ما قبلها نفياً أو إثباتاً ، فإذا قيل : ألم يأت زيد ؟ فقلت : نعم ، أي لم يأت ، وإذا قيل : هل أتى زيد فقلت : نعم ، أي أتى . وقد نظم ذلك بعضهم فقال : @ " نعَمْ " لتقرير الذي قبلها إثباتاً أو نفياً ، كذا قرَّرُوا " بلى " جواب النفي لكنه يصير إثباتاً ، كذا حرَّرُوا @@ يقول الحقّ جلّ جلاله : { وَقَالُوا } أي : بنو إسرائيل في أمانيهم الباطلة : { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } أربعين يوماً مقدار عبادة العجل ، ثم يخلفنا فيها المسلمون . قال الحقّ جلّ جلاله : { قُلْ } لهم يا محمد : { أَتَّخَذْتُمْ } بذلك عهداً عند الله { فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } - { بَلَى } تمسكم النار وتخلدون فيها لأن { مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } أي : كفراً ومات عليه ، { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } أي : أحدقت به ، واستولت عليه ، { فأوْلَئِكَ أَصْحَابَ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } - { والذين آمنوا } بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم { وعلموا } بشريعته المطهرة الأعمال { الصالحات } { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالدُونَ } هذه عادته تعالى إذا ذكر فريقاً شفع بضده ترغيباً وترهيباً وبالله التوفيق . الإشارة : اعلم أن كثيراً من الناس يعتمدون على صحبة الأولياء ، ويُطلقون عنان أنفسهم في المعاصي والشهوات ، ويقولون : سمعنا من سيدي فلان يقول : مَن رآنا لا تمسه النار . وهذا غلط وغرور ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - لابنته : " يا فاطمةَ بنتَ مُحمَّد ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شيئاً ، اشترِيِ نفسك من الله " وقال للذي قال : ادع الله أن أكون رفيقك في الجنة فقال له : " أعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بكَثْرةِ السُّجُود " نعم ، هذا المقالة : إن صدرت من ولي متمكن مع الله فهي حق ، لكن بشرط العمل ممن رآه بالمأمورات وترك المحرمات ، فإن المأمول من فضل الله ، ببركة أوليائه ، أن يتقبل الله منه أحسن ما عمل ، ويتجاوز عن سيئاته ، فإن الأولياء المتمكنين اتخذوا عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده وهو أن من تعلق بهم وتمسك بالشريعة شفعوا فيه . والغالب على مَن صَحِبَ أولياء الله المتمكنين - الحفظ وعدم الإصرار ، فمن كان كذلك لا تمسه النار ، وفي الحديث : " إذَا أحَبَّ اللّهُ عَبْداً لَمْ يضرُّه ذَنْب " ، يعني : يُلهم التوبة سريعاً ، كما قيل لأهل بدر : " افْعلُوا مَا شِئْتُم فَقَدْ غَفَرتْ لَكُم " . ولا يتخذ عند الله العهد إلا أهل الفناء والبقاء ، لأنهم بالله فيما يقولون ، فليس لهم عن أنفسهم إخبار ، ولا مع غير الله قرار ، وأما من لم يبلغ هذا المقام فلا عهد له لأنه بنفسه ، فمن تعلّق بمثل هذا فهو على خطر ، وبالله التوفيق . قوله تعالى : { بلى من كسب سيئة } ، من اقتنى حب الدنيا أحاطت به أشغالها وعلائقها ، فهو في نار القطعية مقيم ، أحاط به سرادق الهموم والأكدار ، تلدغه عقارب الشكوك والأغيار ، بخلاف من أشرفت عليه أنوار الإيمان ، وصحب أهل الشهود والعيان ، فإنه في روح وريحان وجنة ورضوان ، متعنا الله بذلك في الدارين . آمين .