Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 111-112)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { وقد خاب … } الخ : استئنافٌ ، تعليلُ ما لأجله عنت وجوههم ، أو اعتراض ، كأنه قيل : خابوا وخسروا ، أو حال من الوجوه ، و { مَنْ } : عبارة عنها ، مُغنية عن ضميرها ، أي : خضعت الوجوه ، والحال أنها خابت حين حملت ظلمًا . وقيل : { الوجوه } على العموم ، فالمعنى حينئذ : وقد خاب من حمل منهم ظلمًا ، ومن قرأ : " فلا يخف " : فعلى النهي ، وهو جواب ، ومن قرأ بالرفع : فعلى الخبر ، أي : فهو لا يخاف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وعَنَتِ الوجوهُ للحيّ القيّوم } أي : ذلت وخضعت خضوع العناة ، أي : الأسارى في يد الملك القهار ، ومنه قيل للأسير : " عانٍ " ، أي : خاضع ذليل ، وفي ذلك يقول أمية بن أبي الصلت : @ مَليكٌ عَلَى عَرْشِ السماءِ مُهَيْمنٌ لِعزَّتِه تَعْنُو الوُجُوهُ وتَسْجُدُ @@ ولعلها وجوه المجرمين ، كقوله تعالى { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ المُلك : 27 ] ، ويؤيده وصله بقوله : { وقد خابَ من حَمَلَ ظلمًا } أي : وعنت الوجوه لأنها قد خابت وخسرت حين حملت ظلمًا . قال ابن عباس رضي الله عنه : خسر من أشرك بالله ولم يتب ، فإنما تذل وجوه من أشرك بالله ، وأما أهل التوحيد فأشار إليهم بقوله : { ومن يعمل من الصالحات … } الخ ، فهو قسيمٌ لقوله : { ومن خاب من حمل ظلمًا } ، لا لقوله : { وعنت الوجوه } . وإذا حملنا { عَنَت } على مطلق الخضوع أو السجود كان عامًا ، لأن الخلائق كلها تخضع لله في ذلك الوقت . ثم فصلهم : فمن حمل ظلما فقد خاب وخسر ، { ومن يعمل من الصالحات } أي : بعضها ، { وهو مؤمن } ، فالإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات ، { فلا يخاف ظُلمًا } أي : منع ثواب قد استحقه بموجب الوعد ، أو زيادة عقاب على موجب سيئاته ، { ولا هضمًا } أي : كسرًا ونقصًا من ثواب حسناته ، وأصل الهضم : النقص والكسر يقال : هضمت لك من حقك ، أي : حططت ، وهضمت الطعام : حططته إلى أسفل المعدة ، وامرأة هضيمة الكشح : أي : ضامرة البطن ، فالحق تعالى إنما تعرض لنفي الظلم والهضم عن عامل الصالحات ، لأن نفي ذلك إنما يكون مع العمل ، ففيه يتوهم الهضم والنقص ، وأما بدونه فلا … نعم ، الإيمان المجرد نافع على مذهب أهل السنة ، لكن صاحبه على خطر في نفوذ الوعيد ، ولو غفر له ، فإنه ناقص عن درجة عامل الصالحات ، كما علم شرعًا . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا سرحت الفكرة ، وجالت في أقطار الملكوت وأسرار الجبروت ، وتحققت بعدم الإحاطة ، رجعت إلى عش العبودية ، وخضعت للحي القيوم ، وقد خاب وخسر من لم يبلغ إلى هذا المقام ، حين حمل ظلمًا بالميل إلى الشيء من السِّوى ، بغلبة الطبع والهوى ، وأما من نهض إلى مولاه ، واشتغل بالأعمال التي تقربه إلى حضرته ، فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا فإن الله يرفع العبد على قدر همته ، وينعمه على قدر طاعته . وبهذا جاء الوحي والتنزيل .