Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 113-114)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { وكذلك } : عطف على قوله : { كذلك نقصّ } ، و " ذلك " : إشارة إلى إنزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد ، المنبئة عما سيقع من أهوال يوم القيامة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكذلك } أي : ومثل ذلك الإنزال المتقدم ، { أنزلناه } أي : القرآن كله ، وإضماره ، من غير سبقية ذكره للإيذان بنباهة شأنه ، وكونه مركوزًا في العقول ، حاضرًا في الأذهان ، حال كونه : { قرآنًا عربيًّا } ليفهمه العرب ، ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز ، الدال على كونه خارجًا عن طوق البشر ، نازلاً من عند خلاّق القوى والقُدَر . { وصرَّفْنا فيه من الوعيد } أي : كررنا فيه بعض الوعيد ، أو من جنس الوعيد ، { لعلهم يتقون } أي كي يتقوا الكفر والمعاصي بالفعل ، { أو يُحْدِثُ لهم ذِكْرًا } اتعاظًا واعتبارًا يؤديهم إلى الارتقاء ، { فتعالى الله } أي : تعاظم شأنه عما يصفه الكفرة ، وتهاون العصاة ، الذين لم يُحدث فيهم القرآن زجرًا ولا وعظًا ، أي : ارتفع بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعاله ، { الملكُ } لها ، النافذ أمره ونهيه ، الحقيق بأن يُرجى وعده ، ويُخشى وعيده ، { الحقُّ } في ألوهيته لذاته ، أو الثابت الذي لا يمكن عدمه ، أزلاً وأبدًا . { ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضى إِليك وحيُه } أي وإذا كنا أنزلنا عليك قرآنًا عربيًا ، وصرفنا فيه من الوعيد ، فَأَمْهِلْ عند نزوله ، حتى يقرأه عليك الملك ، ولا تعجل به قبل أن يتم وحيه ، ويفرغ من قراءته عليك . كان صلى الله عليه وسلم ، إذا ألقى جبريلُ عليه الوحي ، يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة ، لكمال اعتنائه بالتلقي والحفظ ، فنهى عن ذلك لأنه ربما يشغله التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها ، ولأنَّ المراد من الألفاظ فهم المعاني المتضمنة للعلوم التي لا حصر لها ، ولذلك أمره باستفاضة العلم واستزادته منه فقال : { وقل ربِّ زِدْني علمًا } أي : وقل في نفسك ، أو بلسانك : رب زدني علمًا ، والمراد : سل الله عزّ وجلّ زيادة العلم به وبأحكامه إذ لا نهاية لعلمه كما لا نهاية لذاته ، فإنه الموصل إلى مطلبك دون الاستعجال . والله تعالى أعلم . الإشارة : وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًا ، يُعرب عن كمال ظهور ذاته وأنوار صفاته ، وصرفنا فيه من الوعيد ، لمن تخلف عن شهوده ، بعد كمال ظهوره ، لعلهم يتقون ما يحجبهم عن رؤيته ، أو يُحدث لهم ذكرًا ، أي : شوقًا يُزعجهم إلى النهوض إلى حضرته ، والوصول إليه ، فتعالى الله الملك الحق أن يتصل بشيء ، أو يتصل به شيء ، وإنما الوصول إليه : العلم بإحاطته ووحدة ذاته . ولا تعجل ، أيها العارف ، بالقرآن الذي ينزل على قلبك من وحي الإلهام ، من قبل أن يُقضى إليك وحيه ، فإنَّ الواردات الإلهية تأتي مجملة ، وبعد الوعي يكون البيان ، { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه } ، ولكن استزد من ربك العلوم اللدنية والكشوفات الإلهية ، أي : لا يكن همك استعجالَ الواردات أو بقاءها ، وليكن همك استزادةُ العلوم ومعرفة واهبها ، فإن العلوم وسائل لمعرفة المعلوم ، والوصول للحي القيوم . وبالله التوفيق . ثمَّ بين تصريف الوعيد على ارتكاب العصيان وبيان منشئه …