Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 133-135)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقالوا } أي : كفار مكة : { لولا } : هلاّ { يأتينا بآية من ربه } تدل على صدقه ، أو بآية مما اقترحوها من تفجير الأرض وتسيير الجبال ، ولم يعدوا ما شهدوا من المعجزات التي تخر لها الجبال من قبيل الآيات مكابرة وعنادًا . قال تعالى : { أوَلَمْ تَأْتِهِم بينةُ ما في الصُّحف الأولى } أي : أوَ لَمْ يأتهم القرآن الذي فيه بيان ما في الصحف الأولى التوراة والإنجيل والزبور ، وسائر الكتب السماوية لاشتماله على ما فيها ، وزيادة علوم وأسرار . وهذا رد من جهته تعالى لمقالتهم ، وتكذيب لهم فيما دسوا تحتها ، من إنكار إتيان الآية ، بإتيان القرآن الكريم ، الذي هو أبهر الآيات ، وأسنى المعجزات ، وأعظمها ، وأبقاها لأن حقيقة المعجزة : اختصاص مدّعي النبوة بنوع من الأمور الخارقة للعادة ، أيّ أمر كان ، ولا ريب في أن العلم أجلُّ الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال ، ولقد ظهر ، مع حيازته لعلوم الأولين والآخرين ، على يد أمي ، لم يمارس شيئًا من العلوم ، ولم يدارس أحدًا من أهلها أصلاً ، فأيّ معجزة تراد بعد وروده ؟ وأيّ آية ترام مع وجوده ؟ ! وفي إيراده بعنوان كونه بينة لما في الصحف الأولى ، أي : شاهدًا بحقية ما فيها من العقائد والأحكام ، التي أجمعت عليها كافة الرسل ، ما لا يخفى من تنويه شأنه وإنارة برهانه ، ومزيد تقرير وتحقيق لإتيانه . وقال بعض أهل المعاني : أو لم يأتهم بيان ما في الكتب الأولى ، من أنباء الأمم الذين أهلكناهم ، لما سألوا الآيات ، فأتتهم ، فكفروا بها ، كيف عجلنا لهم الهلاك ؟ فما يُؤمن هؤلاء ، إن أتتهم البينة ، أن يكون حالهم كأولئك . { ولو أنَّا أهلكناهم } في الدنيا { بعذابٍ } مستأصل ، { من قَبْلِه } أي : من قبل إتيان البينة ، وهو نزول القرآن ومجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، { لقالوا ربنا لولا أرسلتَ إِلينا رسولاً } يدعونا مع كتاب يهدينا ، { فنتّبعَ آياتك } التي جاءنا بها ، { من قبل أن نَّذِلَّ } بالعذاب في الدنيا ، { ونخْزَى } بدخول النار يوم القيامة ، ولكنا لم نهلكهم قبل إتيانها ، فانقطعت حجتهم ، فإذا كان يوم القيامة { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } [ المُلك : 9 ] . { قُلْ } لأولئك الكفرة المتمردين : { كُلٌّ } أي : كل واحد منكم ومنا ، { متربصٌ } : منتظر ما يؤول إليه أمرنا وأمركم ، { فتربصوا } فانتظروا . أو كُلٌّ منتظر دوائر الزمان ، ولمن يكون النصر ، { فتربصوا فستعلمون } عن قريب { من أصحابُ الصراطِ السَّوِيِّ } أي : المستقيم ، أو السواء ، أي : الوسط الجيد ، { ومن اهتدى } من الضلالة ، هل نحن أو أنتم . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا يُشترط في الولي العارف بالله ، الداعي إلى الله ، إظهار الآيات ، ويكفي ، برهانًا عليهم ، كونهم على بينة من ربهم ، وهداية الخلق على أيديهم ، وما أظهروه من علم أسرار التوحيد ، ومن فنون علم الطريق ، مع كون بعضهم أميين ، لم يتقدم له مدارسة علم قط ، كما شهدناهم ، بعثهم الله في كل عصر ، يُعرفون بالله ، ويدلون على أسرار ذاته وأنوار صفاته ، على سبيل العيان ، لتقوم الحجة على العباد ، فإذا بُعثوا يوم القيامة جاهلين بالله محجوبين عن شهود ذاته ، متخلفين عن مقام المقربين ، يقولون : لولا أرسلت إلينا رسولاً يُعرفنا بك ، فنتبع آياتك حتى نصل إليك ، من قبل أن نذل بالانحطاط عن درجة المقربين ، أو نخزى بإسدال الحجاب . يقول الحق تعالى : قد بعثتهم ، فأنكرتموهم ، فإذا اغتروا اليوم ، واحتجوا بقول من قال : انقطعت التربية ، فقل : كلٌّ متربص فتربصوا ، فستعلمون من أصحاب الصراط السَّوي ومن اهتدى . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وصلَّى الله على سيدنا ومولانا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وسلَّمَ تسليمًا .