Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 131-132)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { زهرة } : مفعول بمحذوف ، يدل عليه { مَتَّعْنَا } أي : أعطينا ، أو على الذم ، وفيه لغتان : سكون الهاء وفتحها . يقول الحقّ جلّ جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ولا تمدنَّ عينيك } أي لا تطل نظرهما ، بطريق الرغبة والميل { إلى ما متّعنا به } من زخارف الدنيا { أزواجًا منهم } أي : أصنافًا من الكفرة ، والمعنى : لا تنظر إلى ما أعطيناه أصناف الكفرة من زخارف الدنيا الغرارة ، ولا تستحسن ذلك ، فإنه فانٍ ، وهو من { زهرة الحياة الدنيا } أي بهجتها ، ثم يفنى ويبيد ، كشأن الزهر ، فإنه فائق المنظر ، سريع الذبول والذهاب . متعناهم بذلك ، وأعطيناهم الأموال والعز في الدنيا { لنفتنهم فيه } أي : لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم ، هل يقومون بشكره فيؤمنوا بك ، ويصرفوه في الجهاد معك ، وينفقوه على من آمن معك … أم لا ؟ أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ، فلا تهتم بذلك . { ورزقُ ربك } أي : ما ادخر لك في الآخرة { خيرٌ } ، أو : ورزقك في الدنيا من الكفاف مع الهُدى ، خير مما منحهم في الدنيا ، لأنه مأمون الغائلة بخلاف ما منحوه ، فعاقبته الحساب والعقاب . { وأبقى } فإنه لا ينقطع نفْسُه أو أثره ، بخلاف زهرة الدنيا ، فإنها فانية منقطعة . فالواجب : الاشتغال بما يدوم ثوابه ، ولذلك قال له صلى الله عليه وسلم : { وَأْمُرْ أهْلَكَ بالصلاةِ } ، أمره بأن يأمر أهل بيته ، أو التابعين له من أمته ، بالصلاة ، بعد ما أمر هو بقوله : { وسبح بحمد ربك } على ما مر ليتعاونوا على الاستعانة على الخصاصة ، ولا يهتموا بأمر المعيشة ، ولا يلتفتوا لغنى أرباب الثروة . { واصْطَبر عليها } وتكلف الصبر على مداومتها ، غير ملتفت لأمر المعاش ، { لا نسألك رزقًا } أي : لا نُكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك ، { نحن نرزقك } وإياهم ، ففرغ قلبك لمشاهدة أسرارنا ، { والعاقبةُ } المحمودة { للتقوى } أي : لأهل التقوى . رُوي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب أَهْلَه ضُر أو خصاصة أَمَرهُمْ بِالصّلاة ، وتلا هذه الآية . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما خوطب به نبينا صلى الله عليه وسلم خوطب به خاصة أمته ، فلا تمدن عينيك ، أيها الفقير ، إلى ما متع به أهل الدنيا ، من زهرتها وبهجتها ، بل ارفع همتك عن النظر إليها ، واستنكف عن استحسان ما شيدوا وزخرفوا ، فإن ذلك حمق وغرور . كان عروة بن الزبير رضي الله عنه إذا رأى أبناء السلاطين وشاراتهم دخل داره وتلا : { ولا تمدن عينيك … } الآية . وكان يحيى بن معاذ الرازي يقول لعلماء زمانه : يا علماء السوء دياركم هامانية ، ومراكبكم قارونية ، وملابسكم فرعونية ، فأين السنة المحمدية ؟ ولا تشتغل بطلب رزق فرزق ربك - وهو ما يبرز لك في وقتك من عين المنة ، من غير سبب ولا خدمة - خير وأبقى - ، أما كونه خيرًا فلِمَا يصحبه من اليقين والفرح بالله وزيادة المعرفة ، وأما كونه أبقى لأن خزائنه لا تنفد ، مع بقاء أثره في القلب من ازدياد اليقين ، والتعلق برب العالمين . { وأْمر أهلك بالصلاة } واصطبر أنت عليها ، فإن رزقنا يأتيك لا محالة ، في الوقت الذي نريده ، { لا نسألك رزقًا } لك ولا لأهلك ، { نحن نرزقك } ، لكن رزق المتقين ، لا رزق المترفين ، { والعاقبة للتقوى } . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر بعض أقاويل الكفرة التي أمر عليه الصلاة والسلام بالصبر عليها …