Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 24-35)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { هارون } : مفعول أول ، و { وزيرًا } : مفعول ثان ، قُدّم اعتناء بشأن الوزارة ، و { لِي } : صلة ، لا جعل ، أو متعلق بمحذوف حال من { وزيرًا } لأنه صفة له في الأصل . و { من أهلي } : إما صفة وزيرًا ، أو صلة لا جعل ، وقيل : إن { لي وزيرًا } : مفعولاً اجعل ، و { هارون } : عطف بيان لوزير . و { أخي } في الوجهين : بدل من هارون ، أو عطف بيان آخر . يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه موسى عليه السلام : { اذهبْ إِلى فرعونَ } بما رأيته من الآيات الكبرى . وادعه إلى عبادتي وحدي ، وحذره من نقمتي ، { إِنه طغى } أي : جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر ، حتى تجاسر على دعوى الربوبية . { قال } موسى عليه السلام مستعينًا بربه عزّ وجلّ : { ربِّ اشرح لي صدري } أي : وسعه حتى لا يضيق بحمل أعباء الرسالة ، { ويسِّرْ لي أمري } أي : سهِّله حتى لا يصعب عليَّ شيء أقصده . والجملة استئنافية بيانية ، كأن سائلاً قال : فماذا قال عليه السلام ، حين أُمر بهذا الأمر الخطير والخطب العسير ؟ فقيل : قال رب اشرح لي صدري … الخ . كأنه ، لما أُمر بهذا الخطاب الجليل ، تضرع إلى ربه الجليل ، وأظهر عجزه وضعفه ، وسأل ربه تعالى أن يوسع صدره ، ويَفْسَح قلبه ، ويجعله عليمًا بشؤون الناس وأحوالهم ، حليمًا صفوحًا عنهم ، ليلتقي ما عسى أن يرد عليه من الشدائد والمكاره ، بجميل الصبر وحسن الثبات ، فيلقاها بصدر فسيح ، وجأش رابط ، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره ، الذي هو أجلّ الأمور وأعظمها ، وأصعب الخطوب وأهولها بتيسير الأسباب ورفع الموانع . وفي زيادة كلمة { لي } ، مع انتظام الكلام بدونها ، تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسّر أولاً ، ثم تفسيرهما ثانيًا ، وفي تقديمهما وتكريرهما : إظهار مزيد اعتناء بشأن كل من المطلوبين ، وفضل اهتمام باستدعاء حصولهما . ثم قال : { واحْلُلْ } أي : امشط وافسح { عقدة من لساني } ، رُوي أنه كان في لسانه رتة من أثر جمرة أدخلها فاه في صغره . وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم ، فلطمه ونتف لحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : هذا عدو لي ، فقالت آسية : على رسلك ، إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت ، ثم جاءت بطستين في أحدهما الجمر ، وفي الآخر الياقوت ، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار ، حتى رفع جمرة ووضعها على لسانه ، فبقيت له رتة في لسانه ، واختلف في زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقوله تعالى : { قال قد أوتيت سؤلك يا موسى } ، ومن لم يقل به احتج بقول : { هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [ القَصَص : 34 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزّخرُف : 52 ] . وأجاب عن الأول : بأنه لم يسأل حلّ عقدة لسانه بالكلية ، بل حلّ عقدة تمنع الإفهام ، فخفف بعضها لدعائه ، لا جميعها ، ولذلك نكّرها ووصفها بقوله : { من لساني } أي : عقدة كائنة من عُقد لساني ، { يفقهوا قولي } أي : إن تحلل عقدة لساني يفقهوا قولي . { واجعل لي وزيرًا } أي : مُعينًا ومُقويًا { مِنْ أهلي هارونَ أخي } ليعينني على تحمل ما كلفتني به من أعباء التبليغ . { أُشدد به أزري } أي : قِّ به ظهري ، { وأَشركه في أمري } واجعله شريكاً لي في أمر الرسالة ، حتى نتعاون على أدائها كما ينبغي ، { كي نُسبحك كثيرًا } ، هو غاية للأدعية الثلاثة الأخيرة ، من قوله : { واجعل لي وزيرًا … } الخ ، ولا شك أن الاجتماع على العبادة والذكر سبب في دوامهما وتكثيرهما . وفي الحديث : " يد الله مع الجماعة " ، ولذلك ورد الترغيب في الاجتماع على الذكر : والجمع في الصلاة ليقوى الضعيف بالقوي ، والكسلان بالنشيط ، وقيل : المراد بكثرة التسبيح والذكر ما يكون منها في تضاعيف أداء الرسالة ودعوة المردة العتاة ، لأنه هو الذي يختلف في حالتي التعدد والانفراد ، فإن كُلاًّ منهما يصدر منه ، بتأييد الآخر ، من إظهار الحق ، ما لا يصدر منه حال الانفراد . والأول أظهر . و { كثيرًا } : وصف لمصدر أو زمن محذوف ، أي : ننزهك عما لا يليق بجلالك وجمالك ، تنزيهًا كثيرًا ، أو زمنًا كثيرًا ، ومن جملة ذلك : ما يدعيه فرعونُ الطاغية ، وتقبله منه الفئة الباغية من ادعاء الشرك في الألوهية . { ونذكُرَك } بأن نصِفك بما يليق بك من صفات الكمال ، ذكرًا { كثيرًا إِنكَ كنت بنا بَصِيرًا } أي : عالمًا بأحوالنا ، وبأن ما دعوناك به مما يصلحنا ويقوينا على ما كلفتنا من أداء الرسالة ، و { بنا } : متعلق ببصيرًا . والله تعالى أعلم . الإشارة : فإذا انخلعت أيها الفقير عن الكونين ، وألقيت عصاك بوادي البيْن ، فاذهب إلى فرعون نفسك ووجود حسك ، إنه طغى عليك ، حيث حجبك عن شهود ربك ، فلا حجاب بينك وبين ربك ، إلا حِجاب نفسك ، ووقوفك مع شهود حسك ، فهو أكبر الفراعين في حقك ، فاهدم وجوده ، وأَغْرِقْ في بحر الحقيقة شهودَه ، وذلك بالغيبة عنه في شهود مولاه ، فإذا تعسر الأمر عليك فاستعن بمولاك ، وقل : اللهم اشرح لي صدري ، ووسعه لمعرفتك ، ويسر لي أمري في السير إلى حضرة قدسك ، واحلل عقدة الكون من قلبي ولساني ، حتى لا أعقد إلا على محبتك ، ولا أتكلم إلا بذكرك وشكرك ، كما قال الشاعر : @ فإن تكلمتُ لم أنطق بغيركم وإن صَمَتُّ فأنتم عَقْدُ إضماري @@ واجعل لي وزيرًا من أهلي ، وهو شيخي ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، حتى يتوجه بكلية همته إلى سري ، كي ننزهك تنزيهًا كثيرًا ، بحيث لا نرى معك غيرك ، ونذكرك كثيرًا ، بحيث لا نفتر عن ذكرك بالقلب أو الروح أو السر ، إنك كنت بنا بصيرًا . قال الورتجبي : قوله تعالى : { اذهب إلى فرعون … } الخ ، لما علم موسى مراد الحق منه بمكابدة الأعداء ، والرجوع من المشاهدة إلى المجاهدة ، سأل من الحق شرح الصدر ، وإطلاق اللسان ، وتيسير الأمر ، ليطيق احتمال صحبة الأضداد ومكابدتهم . ثم قال : فطلب قوةَ الإلهية وتمكينًا قادريًا بقوله : { ربِّ اشرح لي صدري } ، عرف مكان مباشرة العبودية أنها حق الله ، وحق الله في العبودية مقام امتحان ، وفي الامتحان حجاب عن مشاهدة الأصل ، فخاف من ذلك ، وسأل شرح الصدر ، أي : إذا كنتُ في غين الشريعة عن مشاهدة غيب الحقيقة ، اشرح صدري بنور وقائع المكاشفة ، حتى لا أكون محجوبًا بها عنك . ألا ترى إلى سيد الأنبياء والأولياء صلوات الله عليه ، كيف أخبر عن ذلك الغين ، وشكى من صحبة الأضداد في أداء الرسالة ، بقوله : " إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة " . هـ . وفيه مقال ، إذ هو غين أنوار لا غين أغيار ، فتأمله . والله تعالى أعلم . ثمَّ أجاب الحق جل جلاله سؤاله