Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 42-48)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : لسيدنا موسى عليه السلام : { اذهب أنت وأخوك } أي : ليذهب معك أخوك { بآياتي } : بمعجزاتي التي أريتكَهَا ، من اليد والعصا ، فإنهما وإن كانتا اثنتين ، لكن في كل واحدة منهما آيات ، فإنَّ في انقلاب العصا حيوانًا : آية ، وكونها ثعبانًا عظيمًا : آية ، وسرعة حركته ، مع عِظَمِ جرمه : آية ، وكذلك اليد فإنَّ بياضها في نفسه آية ، وشعاعها آية ، ثم رجوعها إلى حالَتها الأولى آية . والباء للمصاحبة ، أي : اذهبا مصحوبَيْنِ بمعجزاتنا ، مستمسكَيْنِ بها ، { ولا تَنِيَا } : لا تفترا ولا تقصرا { في ذكري } عند تبليغ رسالتي ، ولا يشغلكما معاناة التبليغ عن ذكري ، بما يليق بحالكما من ذكر لسان أو تفكر أو شهود ، فلا تغيبا عن مشاهدتي باشتغالكما بأمري ، حتى لا تكونا فاترين في عيني . { اذهبَا إِلى فرعون إِنه طغى } : تجبر وعلا . ولم يكن هارون حاضرًا وقت هذا الوحي ، وإنما جمعهما تغليبًا . رُوي أنه أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى - عليهما السلام - ، وقيل : سمع بإقباله فتلقاه . { فقولا له قولاً لينًا } لأنَّ تليين القول مما يكسر ثورة عناد العتاة ، ويلين عريكة الطغاة . قال ابن عباس : أي : لا تعنفا في قولكما . وقيل : القول اللين : { هل لك إِلى أن تزكى … } الخ ، ويعارضه قوله بعد : { فقولا إِنا رسولا ربك } وقيل : كنِّياه ، وكان له ثلاثة كنى : أبو العباس ، وأبو الوليد ، وأبو مرة . وقيل : عِدَاه على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم ، ومُلكًا لا ينزع منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعمَ والمشرب والمنكح إلى الموت ، وقيل : اللطافة في القول فإنه رباك وأحسن تربيتك ، وله عليك حق الأبوة ، { لعله يتذكَّر } بما بلغتماه من ذكر ، ويرغب فيما رغبتماه فيه ، { أو يخشى } عقابي . ومحل الجملة : النصب على الحال من ضمير التثنية ، أي : فقولا له قولاً لينًا ، رَاجِيَيْنِ تذكرته ، أي : باشرا وعظه مباشرةَ من يرجو ويطمع أن يُثمر علمُه ولا يخيب سعيُه . وفائدة هذا الإبهام : الحَثُّ على المبالغة في وعظه . هذا جواب سيبويه عن الإشكال ، وهو أنه تعالى عَلِمَ أنه لا يؤمن ، وقال : { لعله يتذكَّر } ، فصرف الرجاء إلى موسى وهارون ، أي : اذهبا على رجائكما . وقال الوراق : قد تذكر حين ألجمه الغرق . وقال الزجاج : خاطبهم بما يعقلون . قلت : كونه تعالى علم أنه لا يؤمن هو من أسرار القدر الذي لا يكشف في هذه الدار ، وهو من أسرار الحقيقة ، وإنما بُعثت الرسل بإظهار الشرائع ، فخاطبهم الحق تعالى بما يناسب التبليغ في عالم الحكمة ، والله تعالى أعلم . وجدوى إرسالهما إليه ، مع العلم بإحالته ، إلزام الحجة وقطع المعذرة . { قالا ربنا إِننا نخاف أن يَفْرُطَ علينا } أي : يعجل علينا بالعقوبة ، ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة . وهو من " فَرطَ " إذا تقدم ، ومنه : الفارط ، للوليد الذي مات صغيرًا . وقرئ بضم الياء ، من " أفرط " إذا حَمله على العجلة ، أي : نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار والخوف على المُلك أو غيرهما ، على المعاجلة والعقاب ، { أو أن يطغى } يزداد طغيانًا ، كأن يقول في شأنك ما لا ينبغي ، لكمال جرأته وقساوته ، وإظهار " أن " لإظهار كمال الاعتناء بالأمر ، والإشعار بتحقيق الخوف من كل منهما ، وهذا القول يحتمل أن يكون قاله موسى ودخل هارون بالتبع ، إيذانًا بأصالة موسى عليه السلام في كل قول وفعل ، وتبعية هارون عليه السلام ، أو يكون هارون قال ذلك بعد تلاقيهما ، فحكى الله قولهما عند نزول الآية ، كما في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] ، فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع ، مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد لاستحالة جمعهم في الوجود ، فكيف باجتماعهم في الخطاب ؟ { قال } تعالى لهما : { لا تخافا } ، وهو استئناف بياني ، كأن قائلاً قال : فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه ؟ فقيل : قال : لا تخافا ما توهمتما من الأمرين ، { إِنني معكما } بحفظي ورعايتي ونصري ومعونتي ، { أسمعُ وأرى } ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل ، فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع ضر وشر ، وجلب نفع وخير . { فأتياهُ } ، أمر بإتيانه ، الذي هو عبارة عن الوصول إليه ، بعد ما أمر بالذهاب إليه ، فلا تكرار ، { فقولا } له : { إِنّا رسولا ربك } إليك ، أمر بذلك من أول الأمر ، ليعرف الطاغية شأنهما ، ويبني جوابه على ذلك ، { فأرسِلْ معنا بني إِسرائيل } أي : أطلقهم من الأسر والقهر ، وأخرجهم من تحت يدك العادية . وليس المراد إرسالهم معه إلى الشام ، بدليل قوله : { ولا تعذِّبْهم } بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب ، فإنهم كانوا تحت مملكة القبط ، يستخدمونهم في الأعمال الصعبة ، من الحفر ونقل الأحجار ، وضرب اللبن والطين ، وبناء المدائن ، وغير ذلك من الأعمال الشاقة ، ويقتلون ذكور أولادهم عامًا دون عام ، فكانت رسالة موسى إلى فرعون بالإيمان بالله وحده ، وتسريح بني إسرائيل . رُوي أنه لمّا رغبه في الإيمان بذكر ما أعد الله لأهله من الخلود في الجنة والملك الدائم ، أعجبه ، فقال : حتى أستشير هامان ، وكان غائبًا ، فقَدِم ، فأخبره ، فقال هامان : قد كنتُ أرى لك عقلاً ، بينما أنت رب تصيرُ مربوبًا ، وبينما أنت تُعبد تصير تعبد غيرك ، فغلبه على رأيه . فقال له موسى : { قد جئناك بآيةِ من ربك } ، قال فرعون : وما هي ؟ فأدخل يده في جيب قميصه ثم أخرجها بيضاء ، لها شعاع كشعاع الشمس ، فعجب منها ، ولم يُره العصا إلا بعد ذلك ، يوم الزينة . قاله الثعلبي . قلت : والذي يظهر من سورة الشعراء - بل هو صريح فيها - أنه أراه العصا واليد . وإنما أفردت في اللفظ ، هنا لأن المراد إثبات الحجة بصحة الرسالة ، لا تَعدد الآية ، وكذلك قوله تعالى : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عِمرَان : 49 ] ، { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } [ الشُّعَرَاء : 30 ] ، وأما قوله تعالى : { فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأعرَاف : 106 ] فالظاهر أن المراد بها آية من الآيات . ثم قال له : { والسلامُ على مَن اتبعَ الهُدى } أي : وسلام الله وملائكته والمؤمنين المقتضي سلامة الدارين ، على من اتبع الهدى ، بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق ، دون من اتبع الغي والهوى ، وفيه من الترغيب ، في اتباعها على ألطف وجه ، ما لا يخفى . { إِنا قد أُوحي إِلينا } من جهة ربنا ، { أنَّ العذابَ } الدنيوي والأخروي { على مَن كذَّب } بآيات الله { وتولى } أي : أعرض عن قبولها ، وفيه من التلطف في الوعيد حيث لم يصرح بحلول العذاب به ما لا مزيد عليه . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي لأهل العلم ولأهل الوعظ والتذكير أن يتعاونوا على نشر العلم ووعظ العباد ، ويتوجهوا إليهم في أقطار البلاد ، فإن ذلك فرض كفاية على أهل العلم ، ولا يشغلهم نشر العلم عن ذكر الله ، ولا تذكير العباد عن شهود الله ، كما قال الله تعالى : { ولا تنيا في ذكري } أي : ولا تغفلا عن شهودي وقت إرشاد عبادي ، فإن توجهوا إلى الجبابرة والفراعنة فليلينوا لهم المقال ، وليدعوهم إلى أسهل الخلال ، فإن ذلك أدعى إلى الامتثال ، خلافًا لمن قال هذه ملة موسوية ، وأما الملة المحمدية فقال تعالى فيها : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] فإنَّ بيان الحق لا ينافي أن يكون بملاطفة وإحسان ، فإن خاف الواعظ من صولة المتجبر فإن الله معه ، يحفظه ويرعاه ، ويسمعه ويراه ، فإن لم يسمع لقوله ولم يتعظ لوعظه ، فقد بلغ ما عليه ، وليقل بلسان الحال أو المقال : والسلام على من اتبع الهدى . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر جواب فرعون : { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا … }