Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 95-98)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { قال } موسى عليه السلام في توبيخ السامري : { فما خطبُك يا سامريُّ } أي : ما شأنك ، وما مطلوبك فيما فعلتَ من فتنة القوم ؟ خاطبه بذلك ليظهرَ للناس بطلانُ كيده باعترافه ، وليفعل به وبما صنع من العقاب ما يكون نكالاً للمفتونين به ، ولمن خلفهم من الأمم من بعده ، { قال } السامري في جوابه : { بَصُرْتُ بما لم يَبْصُرُوا به } أي : علمت ما لم يعلمه القوم ، وفطِنت لما لم يفطنوا به ، أو رأيتُ ما لم يروه ، وهذا أنسب ، وقد كان رأى جبريل عليه السلام ، جاء راكبًا فرسًا ، وكان كلما رفع الفرسُ يده أو رجله عن الطريق اليبس ، اخضر ما تحت قدمه بالنبات ، فعرف أن له شأنًا ، فأخذ من موطئه شيئًا من التراب . وذلك قوله تعالى : { فقبضتُ قبضةً من أَثَرِ الرسولِ } أي : أثر فرس الرسول ، وهو جبريل ، الذي أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور . وقال في اللباب : كان السامري من المقربين لموسى عليه السلام ، فرأى جبريلَ راكبًا على فرس ، وقد دخل البحر فانفلق ، فأخذ من أثره ، ولم ير ذلك إلا من كان مع موسى . هـ . وقال قتادة : كان السامري عظيمًا في بني إسرائيل ، من قبيلة يقال لها : سامرة ، ولكن عدو الله نافق ، بعدما قطع البحرَ مع بني إسرائيل ، فلما مرت بنو إسرائيل بالعمالقة ، وهم يعكفون على أصنام لهم ، وكانوا يعبدون البقر ، { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعرَاف : 138 ] . فاغتنمها السامري فاتخذ العجل . هـ . وقال الكواشي : وإنما عرف السامريُّ جبريلَ من بين سائر الناس لأن أمه ولدته في السنة التي يُقتل فيها الغلمان ، فوضعته في كهف حذرًا عليه ، فبعث الله تعالى جبريل ليربيه لِمَا قضى على يديه من الفتنة . هـ . وضعّفه ابن عطية . قلت : ولعل تضعيفه من جهة النقل ، وأما القدرة فهي صالحةَ ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً . ثم قال : فأخذت تلك القبضة { فنبذتُها } في فم تلك الصورة المذابة من الحُليّ ، فصارت تخور ، { وكذلك سَوَّلَتْ لي نفسي } أي : زينت . والإشارة : نعت لمصدر محذوف ، أي : سَوَّلَتْ لي نفسي تسويلاً كائنًا مثل ذلك التسويل البديع . وحاصل جوابه : أن ما فعله إنما صدر منه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة وإغوائها ، لا لشيء آخر من البرهان العقلي أو الإلهام الإلهي ، فند ذلك { قال } له موسى عليه السلام : { فاذهبْ } أي : اخرج من بين الناس ، { فإِنَّ لك في الحياة } أي : في مدة حياتك ، { أن تقولَ لا مِسَاس } والمعنى : أن لك في مدة حياتك أن تفارقهم مفارقة كلية ، لا بحسب الاختيار ، بل بحسب الاضطرار الملجئ إليه ، وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام ، لا يكاد يَمَسُّهُ أحد ، أو يمسُّ أحدًا ، إلا حُمّ من ساعته حمى شديدة ، فتحامَى الناسَ وتحاموه ، وكان يَصيح بأقصى طوقه : لا مساس . وقيل : إن موسى عليه السلام نفاه من قومه ، وأمر بني إسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه . قال الحسن : جعل الله عقوبة السامري ألا يمَاس الناسَ ولا يماسوه . جعل ذلك له ولمن كان منه إلى يوم القيامة . فكأن الله تعالى شدَّد عليه المحنة ، وجعل ذلك عقوبة له في الدنيا . ويقال : ابتلي بالوسواس ، وأصل الوسواس من ذلك الوقت . وقال قتادة : بقاياه اليوم يقولون ذلك : لا مساس . ويقال : إن موسى همّ بقتل السامري ، فقال الله تعالى له : لا تقتله فإنه سخي . ولعل الحكمة في عقابه بهذه العقوبة : أن مخالطته للناس نشأت من هذه الفتنة ، فعوقب بالطرد والبعد عنهم . ثم قال له الله : { وإِنَّ لك موعدًا } أي : في الآخرة ، { لن تُخْلَفه } أي : لن يُخلفك الله ذلك الوعد ، بل يُنجزه لك أَلبتةَ ، بعد ما عاقبك في الدنيا . أو لن تجاوزه ولن تخطئه ، بل لا بد لك من ملاقاته . { وانظر إِلى إِلهك } العجل ، { الذي ظَلْتَ عليه عاكفًا } مقيمًا على عبادته ، { لنُحَرِّقنه } أي : والله لنحرقنه بالنار ، وقيل بالمبْرد ، مبالغةً في الحرق ، ويعضده قراءة : " لنحْرُقنه " ، { ثم لنَنْسِفَنَّه } أي : لنذرينه بالريح { في اليمِّ } في البحر ، رمادًا ، أو مبرودًا كأنه هباء ، { نَسْفًا } بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ، وقد فعل عليه السلام ذلك كله حينئذ ، كما يشهد بذلك الأمرُ بالنظر ، وإنما لم يصرح به تنبيهًا على كمال ظهوره ، واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين . ثم نبَّه على الحق فقال : { إِنما إِلهُكم الله } أي : إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله . والجملة : استئنافية مسوقة لتحقيق الحق ، إثر إبطال الباطل ، بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل ، ثم وصفه بقوله : { الذي لا إِله إِلا هو } وحده ، من غير أن يُشاركه في الألوهية شيء من الأشياء ، { وَسِعَ كل شيءٍ علمًا } أي : وسع علمه كل ما من شأنه أن يُعلم . وجملة : { وسع } : بدل من الصلة ، أي : إنما إلهكم : الذي وسع كل شيء علمًا لا غيره كائنًا ما كان ، فيدخل فيه العجل دخولاً أوليًا . وهذا ختم كلام موسى عليه السلام ، بتقرير أمر التوحيد ، كما كان افتتاح الوحي إليه به بقوله : { إِنني أنا الله لا إِله إِلا أنا } . والله تعالى أعلم . الإشارة : انظر أثر حافر فرس جبريل : كيف حييت به الأشباح ، فكيف لا تحيا بتقبيل أثر وطء العارفين بالله ، أو بتقبيل أقدامهم ، بل كل من خضع لهم وقبَّل أقدامهم حييت روحه ، وشعشعت أنواره ، وتحقق عرفانه ، كما هو معلوم لأن الخضوع لأولياء الله إنما هو خضوع لله لأنهم يدلون على الله ، ويبعدون عن كل ما سواه . وانظر السامري حين خضع لغير الله بمجرد هواه كيف طُرد وأُبعد ، حتى صار مثلاً في الناس . فقالت الصوفية : ينبغي للفقير أن يفر من أبناء جنسه ، ويكون كالسامريِ ، إذا رأى أحدًا قال : لا مساس ، وأنشدوا : @ وخَفْ أبناءَ جنسك واخش منهم كما تخشى الضراغم والسُّنْبَتا وخالِطْهم وزايلهم حِذارًا وكن كالسامري إذا لُمِسْتَ @@ والسنبتاء : كل حيوان جريء ، وقيل : اسم للنمر . ويقال ، لمن ركن إلى شيء دون الله تعالى مِنْ علم ، أو عمل ، أو حال ، أو مقام ، أو فني في مخلوق : وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفًا لنُحرقنه ثم لننسفنّه في اليم نسفًا . وفي بعض الأثر : يقول الله : " يا عبدي ، لا تركْن لشيء دوني ، فإنْ ركنتَ إلى علم جهّلناك فيه ، وإن ركنت إلى عمل رددناه عليك ، وإن ركنتَ إلى حال وقفناك معه ، وإن ركنتَ إلى معرفة نكرناها عليك . فأي حيلة لك أيها العبد ، فكن لنا عبدًا أكن لك ربًّا " أو كما قال . وإليه الإشارة بقوله : { إنما إلهكم الله … } الآية . ثمَّ ذكر نبيه عليه الصلاة والسلام بنعمة اطلاعه على هذه القصص البديعة