Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 89-94)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ألا يرجع } : " أن " مخففة ، لأنَّ الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين ، ومن قرأ بالنصب جعل الرؤية بصرية . يقول الحقّ جلّ جلاله : مُنكرًا على عبدة العجل ومقبحًا لرأيهم : { أفلا يَرَوْنَ } أي : أفلا يتفكرُ هؤلاء الضالون المضلون فيعلمون { أن } الأمر والشأن : { لا يرجع إِليهم } العجل كلامًا ، ولا يرد عليها جوابًا ، وإنما هو جماد لا روح فيه ؟ فكيف يتوهمونه أنه إله ؟ وتعليق الإبصار بما ذكر مع كونه عدميًا للتنبيه على كمال ظهوره ، المستدعي لمزيد تشنيعهم وتركيك عقولهم . { و } هو أيضًا { لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا } أي : أفلا يرون أيضًا أن العجل لا يقدر أن يدفع عنهم ضرًا ، أو يجلب لهم نفعًا ؟ أو لا يقدر على أن يضرهم إن لم يعبدوه ، أو ينفعهم إن عبدوه . { ولقد قال لهم هارونُ من قبلُ } أي : والله لقد نصحهم هارون ونبههم على الحق ، من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم ، وقال لهم : { يا قوم إِنما فُتنتم به } أي : وقعتم في الفتنة بالعِجْل أو ضللتم به ، والمعنى : إنما فعل بكم الفتنة ، لا الإرشاد إلى الحق ، { وإِنَّ ربكم الرحمنُ } وحده ، لا العِجْل ، أرشدهم إلى الحق بعد أن زجرهم عن الباطل . والتعرض لعنوان الرحمانية للاعتناء باستمالتهم إلى الحق المُفضي إلى الرحمة الشاملة ، أي : إن ربكم الذي يستحق أن يُعبد هو الرحمن لا غير . { فاتبعوني } على الثبات على الدين ، { وأطيعوا أمري } من ترك عبادة ما علمتم شأنه . { قالوا } في جواب هارون عليه السلام : { لن نبرحَ عليه عاكفين } أي : لن نزال على عبادة العجل مقيمين { حتى يرجع إلينا موسى } ، جعلوا رجوعه عليه السلام غاية لعكوفهم على عبادة العجل ، لكن لا على طريق الوعد بتركها عند رجوعه ، بل بطريق التعلل والتسويف ، وقد دسُّوا تحت ذلك أنه عليه السلام لا يرجع بشيء مبين لإبطالها ، تعويلاً على مقالة السامري . رُوِيَ أنهم ، لما قالوا ذلك ، اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفًا ممن لم يعبد العجل ، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجَلَبة ، وكانوا يرقصون حول العجل ، قال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة ، فلما وصل إليهم قال لهم ما قال من قوله : { ألم يعدكم … } الخ . وسمع منهم ما قالوا من قولهم : { ما أخلفنا … } الخ . فلما رأى هارونَ أخذ شعره بيمينه ، ولحيته بشماله ، غضبًا ، { قال يا هارونُ } ، وإنما جرده من الواو لأنه استئناف بياني ، كأنه قيل : ماذا قال موسى لهارون حين سمع جوابهم له ؟ وهل رضي بسكوته بعدما شهد منهم ما شهد ؟ فقيل : { قال يا هارونُ ما منعك إِذْ رأيتَهم ضلّوا } بعبادة العجل ، وبلغوا من المكابرة إلى أن شافهوك بتلك المقالة الشنعاء ، { ألا تتَّبعنِ } أي : أن تتبعني . على أن " لا " مزيدة ، أيْ : أيّ شيء منعك ، حين رأيت ضلالتهم ، من أن تتبعني فيما أمرتك ، وتعمل بوصيتي فتقاتلهم بمن معك ؟ قال ابن عطية : والتحقيق : أن " لا " غير مزيدة ، ويُقدر فعل ، أي : ما منعك مجانبتهم وسوّل لك ألا تتبعن . هـ . قلت : وفيه نظر لأن مجانبة هارون عليه السلام للقوم كانت حاصلة ، وإنما أنكر عليه عدم مقاتلتهم ، أو عدم لحوقه ليخبره ، فتأمله . وقيل : المعنى : ما حملك على ألا تتبعن ، فإن المنع من الشيء مستلزم للحمل على مقابله ، وقيل : ما منعك أن تلحقني وتُخبرني بضلالهم ، فتكون مفارقتك زجرًا لهم ، وهذا أظهر . { أفعَصَيتَ أمري } بالصلابة في الدين والمحاماة عليه ، فإن قوله : { اخلفني في قومي } متضمن للأمر بهما حتمًا ، فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلِف لو كان حاضرًا ، والهمزة للإنكار ، والفاء للعطف ، أي : أخالفتني فعصيت أمري . { قال يا ابن أمَّ } ، خص الأم بالذكر استعطافًا لحقها ، وترقيقًا لقلبه ، لا لما قيل من أنه كان أخاه لأمه ، فإن الجمهور على أنهما شقيقان . قال له : { لا تأخذْ بلحيتي ولا برأسي } أي : بشعر رأسي . وقد كان عليه السلام أخذ بهما كما تقدم ، من شدة غيظه وفرط غضبه لله ، وكان حديدًا متصلبًا في كل شيء ، فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ، حتى فعل ما فعل . ثم اعتذر له أخوه بقوله : { إِني خشيتُ } إن قاتلتُ بعضهم ببعض وتفرقوا ، { أن تقول فرقتَ بين بني إِسرائيل } برأيك ، مع كونهم أبناء رجل واحد ، كما يُنبئ عنه ذكرهم بذلك العنوان دون القوم ونحوه . وأراد عليه السلام بالتفريق ما يستتبعه القتال من التفريق : الذي لا يُرى بعده اجتماع ، فخشيتُ أن تقول : فرقت بينهم ، { ولم ترقبْ قولي } أي : قوله : { اخلفني في قومي وأصلح … } الخ ، يعني : إني رأيت أن الأصلح هو في حفظ الدماء والمداراة معهم ، إلى أن ترجع إليهم ، فلذلك استأنيتك لتكون أنت المتدارك للأمر بما رأيت ، لا سيما وقد كانوا في غاية القوة ، ونحن على القلة والضعف ، كما يُعرب عنه قوله : { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } [ الأعرَاف : 150 ] . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من اعتمد على غير الله ، أو مال بمحبته إلى ما سوى الله ، فهو في حقه عجل بني إسرائيل ، فيقال له : كيف تركن إليه وهو لا يملك لك ضرًا ولا نفعًا ، وإنما فُتنت به عن السير إلى ربك ، وانطمست به حضرة قدسك ، فربك الرحمن الكريم المنان ، فاتبع ما أمرك به من الطاعات ، وكن عبدًا له في جميع الحالات ، تكن خالصًا لله ، حُرًا مما سواه . وبالله التوفيق . ثمَّ توجه العتاب إلى السامري