Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 89-90)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر خبر { زكريا إِذ نادى ربَّهُ } في طلب الولد ، وقال : { ربِّ لا تذرني فَرْدًا } وحيدًا بلا ولد يرثني ، ثم ردّ أمره إليه مستسلمًا ، فقال : { وأنت خيرُ الوارثين } ، فحسبي أنت ، وإِنْ لم ترزقني وارثًا فلا أبالي فإنك خير وارث ، { فاستجبنا له } دعاءه ، { ووهبنا له يحيى } ولدًا { وأصلحنا له زوجه } أي : أصلحناها للولادة بعد عُقمها ، أو أصلحناها للمعاشرة بتحسين خلْقها . وكانت قبل سيئة الخلق ، { إنهم } أي : ما تقدم من الأنبياء ، { كانوا يُسارعون في الخيرات } أي : إنما استحقوا الإجابة إلى مطالبهم ، وأسعفناهم فيما أمَّلوا لمبادرتهم أبواب الخير ، ومسارعتهم إلى تحصيلها ، مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخير كله ، وهو السر في إتيان : { في } ، دون " إلى " ، المشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن أصل الخيرات ، متوجهين إليها ، كما في قوله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عِمرَان : 133 ] . { و } كانوا { يدعوننا رغَبًا ورَهَبًا } طمعًا وخوفًا ، وهما مصدران في موضع الحال ، أو المفعول له ، أي : راغبين في الثواب أو الإجابة ، وراهبين من العقاب أو الخيبة ، أو للرغبة والرهبة ، { وكانوا لنا خاشعين } : متواضعين خائفين ، أي : إنما نالوا هذه المراتب العلية ، واستحقوا هذه الخصوصية لاتصافهم بهذه الأوصاف الحميدة . والله تعالى أعلم . الإشارة : الغالب في وراثة الخصوصية الحقيقية أن تكون لغير ورثة النسب ، وأما الخصوصية المجازية ، التي هي مقام الصلاح أو العلم ، فقد تكون لورثة النسب ، وتكون لغيرهم . والخصوصية الحقيقية هي مقام الفناء والبقاء ، والتأهل للتربية النبوية ، ولا بأس بطلب وارث هذه الخصوصية ، لئلا ينقطع النفع بها . وقد قيل ، في قول الشيخ ابن مشيش رضي الله عنه : اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا ، إنه أشار إلى طلب الوارث الروحاني . والله تعالى أعلم . وقوله تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } ، فيه إشارة إلى بيان سبب حصول الخصوصية لأن بابها هو المسارعة إلى عمل الخيرات وأنواع الطاعات ، وأوكدها ثلاثة : دوام ذكر الله ، وحسن الظن بالله ، وبعباد الله . وفي الحديث : " خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حسن الظن بالله ، وحسن الظن بعباد الله " وقوله : { ويدعوننا رَغَبًا ورهبًا } ، هذه حالة الطالبين المسترشدين المتعطشين إلى الله ، يدعونه رغبًا في الوصول ، ورهبًا من الانقطاع والرجوع ، وقد تكون للواصلين رغبًا في زيادة الترقي ، ورهبًا من الوقوف أو الإبعاد . وقال بعضهم : الرغب والرهب حاصلتان لكل مؤمن ، إذ لو لم تكن رغبة لكان قنوطًا ، وهو كفر ، ولو لم تكن رهبة لكان أمنًا ، والأمن كفر . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر مريم وابنها عليهما السلام