Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 55-59)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا يزال الذين كفروا في مريةٍ } : شك { منه } من القرآن ، أو الصراط المستقيم ، { حتى تأتيهم الساعةُ بغتةً } : فجأة ، { أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيم } ، وهو عذاب يوم القيامة ، كأنه قيل : حتى تأتيهم الساعة أو عذابها ، فزاد " اليوم العقيم " لمزيد التهويل . واليوم العقيم : الذي لا يوم بعده ، كأنَّ كل يوم يلد ما بعده من الأيام ، فما لا يوم بعده يكون عقيمًا . وقيل : اليوم العقيم : يوم بدر ، فهو عقيم عن أن يكون للكافرين فيه فَرح أو راحة ، كالريح العقيم لا تأتي بخير ، أو لأنه لا مثل له في عِظم أمره لقتال الملائكة فيه ، ولكن لا يساعده ما بعده ، من قوله : { المُلكُ يومئذٍ لله } أي : السلطان القاهر ، والتصرف التام ، يومئذ لله وحده ، ولا منازع له فيه ، ولا تصرف لأحد معه ، لا حقيقة ولا مجازاً ، ولا صورة ولا معنىً ، كما في الدنيا ، فإنَّ للبعض فيه تصرفًا مجازيًا صُوريًا . { يحكم بينهم } أي : بين فريق أهل المرية وأهل الإيمان . ثم بيّن حكمه فيهم ، فقال : { فالذين آمنوا } بالقرآن الكريم ولم يُماروا فيه ، { وعملوا الصالحات } امتثالاً لما أمر به في تضاعيفه { في جنات النعيم } ، { والذين كفروا } بالقرآن وشكوا فيه ، أو بالبعث والجزاء ، { وكذبوا بآياتنا } الدالة على كمال قدرتنا أو القرآن ، { فأولئك لهم عذابٌ مهين } ، يُهينهم ويُخزيهم . ثم خص قومًا من الفريق الأول بفضيلة ، فقال : { والذين هاجروا في سبيل الله } : خرجوا من أوطانهم مجاهدين ، { ثم قتلوا } في الجهاد ، { أو ماتوا } حتف أنفهم ، { لَيَرزقنَّهم الله رزقًا حسنًا } ، وهو ما لا ينقطع من نعيم الجنان . ومراتب الحسن متفاوتة ، فيجوز تفاوت حال المرزوقين ، حسب تفاوت أرزاق الجنة . رُوي أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا نَبِي الله هؤُلاَءِ الذين قُتِلُوا في سَبِيل اللهِ قَدْ عَلِمْنَا مَا أعْطَاهُمُ الله مِن الخَيْرِ ، ونَحْنُ نُجَاهِدُ مَعَكَ كَما جَاهَدُوا ، فَمَا لَنَا مَعَكَ ؟ فنزلت : { والذين هاجروا … } الآيتين . وقيل : نزلت في طوائف ، خرجوا من مكة إلى المدينة ، فتبعهم المشركون فقتلوهم . ثم قال تعالى : { وإِن الله لهو خير الرازقين } ، فإنه يرزق بغير حساب ، مع أنَّ ما يرزقه لا يقدر عليه غيره ، { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } ، وهو الجنة لأنَّ فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، قيل : لَمَّا ذكر الرزق ذكر المسكن ، { وإِن الله لعليمٌ حليمٌ } ، عليم بأحوال من قضى نحبه مجاهدًا ، وآمال من مات وهو ينتظره معاهدًا ، حليم بإمهال من قاتلهم معاندًا . الإشارة : من لم يصحب العارفين أهل الرسوخ واليقين ، لا يمكن أن تنقطع عنه خواطر الشكوك والأوهام ، حتى يلقى الله بقلب سقيم ، فيُفضي إلى الهوان المقيم . والذين هاجروا في طلب محبوبهم لتكميل يقينهم ، ثم قتلوا قبل الوصول ، أو ماتوا بعد الوصول ، ليرزقنهم الله جميعًا رزقًا حسنًا ، وهو لذة الشهود والعيان ، في مقعد صدق مع المقربين ، { وإن الله لهو خير الرازقين } . والمدخل الذي يرضونه : هو القرب الدائم ، والشهود المتصل . جعلنا الله من خواصهم بمنِّه وكرمه . ولما ذكر ثواب من هاجر وقتل في سبيل الله أو مات …