Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 60-62)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ذلك } : خبر ، أي : الأمر ذلك . و { مَن عاقب } : شرط سدّ مسد جوابه ، أي : من عاقب بمثل ما عُوقب به ينصره الله . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ذلك } أي : الأمر ذلك ، كما أخبرتك في بيان الفريقين ، ثم استأنف فقال : { ومن عاقب بمثل ما عُوقِبَ به } أي : لم يزد في القصاص على ما فُعل به ، وسمى الابتداء عقابًا للمشاكلة ولملابسته له ، من حيث إنه سبب له وهو مسبب عنه . { ثم بُغِيَ عليه لينصُرَنَّه اللهُ } أي : من جازى بمثل ما فُعل به من الظلم ، ثم ظُلم ، بعد ذلك ، وبُغي عليه بعد ذلك ، فحق على الله أن ينصره { إِنَّ الله لعفوٌّ } يمحو آثار الذنوب ، { غفورٌ } يستر أنواع العيوب . ومناسبة الوصفين لما قبلهما : أن المعاقب مأمور بالعفو من عند الله ، بقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 40 ] ، { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] ، فحين لم يفعل ذلك ، وانتصر لنفسه ، فكأنه مُذنب ، فمعنى العفو في حقه أنه لا يلزمه على ترك الفضل شيء ، وأنه ضامن لنصره في الكرة الثانية ، إذا ترك العفو وانتقم من الباغي عليه ، وعَرَّضَ ، مع ذلك ، بما كان أولى به من العفو بذكر هاتين الصفتين . ثم ذكر دلائل قدرته على النصر وغيره بقوله : { ذلك بأن الله يُولج الليلَ في النهار ويُولجُ النهارَ في الليل وأنَّ الله سميع بصيرٌ } أي : ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء . ومن آيات قدرته أنه { يُولجُ الليلَ في النهار ويُولجُ النهارَ في الليل } أي : يُدخل أحدهما في الآخر ، فيدخل الليلَ في النهارِ إذا طال النهار ، ويُدخل النهارَ في الليل إذا طال الليلُ ، فيزيد في أحدهما ما ينقص من الآخر . أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما ، بإدخال أحدهما على الآخر ، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر ، والبغي والإنصاف . { وأن الله سميع } لما يقولون ، لا يشغله سمع عن سمع ، وإن اختلفت في النهار الأصوات بفُنون اللغات ، { بصير } بما يفعلون ، فلا يستتر عنه شيء بشيء في الليالي ، وإن توالت الظلمات . { ذلك بأن الله هو الحقُّ } الواجب لذاته ، الثابت في نفسه ، الواحد في صفاته وأفعاله ، فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان كونه مُبديًا لكل ما يوجد من الموجودات ، عالمًا بكل المعلومات . وإذا ثبت أنه الحق فدينُه حق ، وعبادته حق ، { وأن ما تدعون من دونه } إلهًا { هو الباطل } ي : المعدوم في حد ذاته . أو الباطل ألوهيته ، { وأن الله هو العليُّ الكبيرُ } أي : المتعالي عن مدارك العقول ، وعن سمات الحدوث ، أو المرتفع على كل شيء بقهريته ، أو المتعالي عن الأنداد والأشباه ، الكبير شأنًا وعظمةً وكبرياء إذ كل شيء يصغر دون كبريائه ، فلا شيء أعلى منه شأنًا وأكبر سلطانًا لأن له الوجود المطلق . والله تعالى أعلم . الإشارة : ومن عاقب نفسه وجاهدها وأدَّبها في أيام اليقظة ، بمثل ما عاقبته وجنت عليه وطغت في أيام الغفلة ، ثم صرعته بعد ذلك وغلبته لينصرنه الله عليها ، حتى يغلبها ويملكها ، فكلما هاجت عليه هجم عليها ، حتى يملكها ذلك بأن الله يُولج ليلَ المعصية في نهار الطاعة ، ويولجُ نهارَ الطاعة في ليلِ المعصية ، أي : يدخل أحدهما على الآخر ، فلا يزال العبد يعصي ويطيع حتى يمنَّ عليه بالتوبة النصوح . أو يولج ليل المعصية في نفس الطاعة ، فتنقلب الطاعة معصية ، إذا صحبها علو واستكبار . ويولج نهار الطاعة في عين المعصية ، فتنقلب طاعة إذا صحبها ذل وافتقار . ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما دونه باطل . ثمَّ ذكر دليلاً آخر على قدرته