Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 67-71)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { لكل أمةْ } من الأمم الخالية والباقية { جعلنا } أي : وضعنا ، وعَيَّنا { منسَكًا } : شريعة خاصة يتمسكون بها ، أي : عيّنا كل شريعة لأمة معينة من الأمم ، بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى ، لا استقلالاً ولا اشتراكًا ، فكل جيل لهم شرع مخصوص ، { هم ناسكوه } : عاملون به ، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى - عليهما السلام - منسكهم التوراة ، هم عاملون به لا غيرهم . والتي كانت من مبعث عيسى عليه السلام إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منسكهم الإنجيل ، هم ناسكوه وعاملون به . وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي - عليه الصلاة والسلام - ومن بعدهم إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة ، منسكهم القرآن ، ليس إلا . والفاء في قوله : { فلا ينازعنك في الأمر } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن تعيين كل أمة بشرع مخصوص ، يجب اتباعه ، يُوجب اتباع هؤلاء الموجودين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم له في أمر الدين ، أي : فلا يجادلنك في أمر الدين ، بل يجب عليهم الاستسلام والانقياد لكل أمر ونهي . أو : فلا تلتفت إلى قولهم ، ولا تمكنهم من أن ينازعوك في الأمر ، أي : أمر الدين أو أمر الذبائح . قيل : نزلت حين قال المشركون للمسلمين : ما لكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله ؟ يعني : الميتة ، فأمر الله بالغيبة عنهم ، وعدم الالتفات إلى قولهم . { وادعُ إلى ربك } أي : دم على الدعاء إلى الله ، والتمسك بدينه القويم { إِنك لعلى هُدىً مستقيم } : طريق قويم موصل إلى الحق . { وإن جادلوك } بعد ظهور الحق مِراء وتعنتًا ، كما يفعله السفهاء ، بعد اجتهادك ألاَّ يكون بينك وبينهم تَنازع وجدال ، { فقل اللهُ أعلمُ بما تعملون } أي : فلا تجادلهم ، وادفعهم بهذا القول ، والمعنى : إن الله عالم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء ، فهو يُجازيكم به . وهذا وعيد وإنذار ، ولكن برفق ولين ، يُجيب به العاقلُ كلَّ متعنت سفيه . قال تعالى : { اللهُ يحكمُ بينكم يومَ القيامةِ فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين ، وهو خطاب من الله تعالى للمؤمنين والكافرين ، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم . { ألم تعلم أن الله يعلمُ ما في السماء والأرض } ، الاستفهام للتقرير ، أي : قد علمت أن الله يعلم كل ما يحدث في السماء والأرض ، ولا يخفى عليه شيء من الأشياء ، ومن جملتها : ما تقوله الكفرة وما يعملونه ، { إِنَّ ذلك في كتاب } في اللوح المحفوظ ، { إِنَّ ذلك على الله يسير } أي : علمه بجميع ذلك عليه يسير ، فلا يخفى عليه معلوم ، ولا يعسُر عليه مقدور . { ويعبدونَ من دون الله } أي : متجاوزين إياه ، مع ظهور دلائل عظمته وقدرته وتوحيده ، { ما لم يُنزل به سلطانًا } : حجة وبرهانًا ، { وما ليس لهم به علمٌ } أي : وما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة أو استدلال ، أي : لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي ، ولا حملهم عليها دليل عقلي ، بل لمجرد التقليد الرديء ، { وما للظالمين من نصير } أي : وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم العظيم من أحد ينصرهم ، أو يصوب مذهبَهم ، أو يدفع العذاب عنهم ، حين يعتريهم بسبب ظلمهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : كما اختلفت الشرائع باختلاف الملل ، اختلفت التربية باختلاف الأشخاص والأعصار ، وقد تقدم عند قوله { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] . وجملتها ترجع إلى الهمة والحال ، وبهما كانت التربية في الصدر الأول ، فكانت الملاقاة والصحبة تكفي ، ويحصل التهذيب والتصفية وكمال المعرفة . وذلك في زمان الصحابة والتابعين إلى القرن الثالث لقربهم من النور النبوي . فلما بَعُد الأمر ، وأظلمت القلوب ، أحدثوا تربية الاصطلاح ، وهو التزيي بزي مخصوص ، كالمرقعة وحمل السبحة في العنق ، والركوة ، وغير ذلك من مسائل التجريد ، وترتيب أمور تموت بها النفوس وتعالج بها القلوب ، واستعمال أوراد مخصوصة ، فكانت التربية حينئذ بالهمة والحال والاصطلاح . وقد تحصل التربية لمن له الهمة والحال بغير اصطلاح ، إذا رآه ينجع فيه ذلك ، فبقي الأمر كذلك إلى القرن التاسع ، فتصدى للتربية بالاصطلاح قوم مُدَّعُون ، لا همة لهم ولا حال ، فقال الحضرمي حسمًا لهذه الدعوى : قد انقطعت التربية بالاصطلاح ، وما بقي إلا الهمة والحال ، فعليكم بالكتاب والسنة ، أي : بظاهر الكتاب والسنة من غير زيادة ولا نقصان ، يعني طريق الأحوال والاصطلاح . ومراده بذلك : قطع التربية بالاصطلاح من غير همة ولا حال . وأما من له الهمة والحال فلا يقصد الحضرمي قطع تربيته بالاصطلاح . والحاصل : أن الحضرمي ما حكم إلا على وقته لِمَا رأى من الفساد الذي دخل في التربية . وقد وُجد بعده رجال مُربون بالاصطلاح مع الهمة والحال . والمراد بالهمة : العلم بالله على نعت الشهود والعيان ، وبالحال : إنهاض القلوب عند رؤيته لذكر الله لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " خَيْرُكُمْ مَنْ إِذا رُؤوا ذُكر اللهُ " ولا بد من إذن خاص من الشيخ ، أو من يقوم مقامه ، وإلا فلا تنجح تربيته ، ولا ينهض حاله . والله تعالى أعلم . فإن تأهلتَ للتربية بإذن خاص ، فلا ينازعنك في الأمر ، أي : لا تلفت إلى من ينازعك ويحتج عليك بانقطاع التربية تعنتًا وعنادًا . وادع إلى ربك ، إنك لعلى هدى مستقيم . قال القشيري : قوله : { وإن جادلوك … } الخ ، أي : كِلْهُم إلينا ، عندما راموا أمر الجدال ، ولا تتكل على ما تختاره من الاحتيال ، واحذر جنوحَ قلبك إلى الاستغاثة بالأمثال والأشكال فإنهم قوالبُ خاويةٌ . وأشباحٌ من رؤية المعاني خالية . هـ . ويوم القيامة يظهر المحق من المبطل ، ويقال في شأن من يعبد هواه : { ويعبدون من دون الله … } الآية . ثمَّ ذكر وصفاً آخر لأهل الإنكار فقال : -