Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 8-10)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن الناس من يُجادل في الله } أي : في شأنه ، فيصفه بغير ما هو أهله ، وهو أبو جهل ، كما قال ابن عباس رضي الله عنه ، وقيل : هو من يتصدى لإضلال الناس ، كائنًا من كان . حال كونه { بغير علم } ، بل بجهل وهوىً . والمراد بالعلم : الضروري ، كما أن المراد بالهدى في قوله : { ولا هُدىً } : هو الاستدلال والنظر الصحيح ، الهادي إلى المعرفة . { ولا كتابٍ منير } أي : وحي يستند إليه ، والحجة إنما تقوم بأحد هذه الثلاثة ، أي : يجادل في شأنه تعالى ، من غير تمسك بمقدمة ضرورية ، ولا بحجة نظرية ، ولا برهان سمعي . حال كونه { ثانِيَ عِطْفِه } أي : لاويًا عُنُقَهُ عن طاعة الله كبرًا وعُتوًا ، أو عاطفًا بجانبه ، وطاويًا كَشْحَهُ ، معرضًا متكبرًا ، فثنْي العطف كناية عن التكبر . وقرأ الحسن بفتح العين ، أي : مانعًا تعطفه على المساكين قسوةً . فعل ذلك الجدال { ليضلَّ عن سبيل الله } أي : ليضل الناس عن سبيل الله فإنَّ غرضه بالمجادلة إضلال المؤمنين ، أو جميع الناس ، وقرأ المكي وأبو عمر : بفتح الياء ، أي : ليصير ضالاً عن سبيل الله . وجعل ضلاله غاية لجداله ، من حيث إن المراد به الضلال المبين ، الذي لا هداية بعده ، مع تمكنه منها قبل ذلك ، أي : ليرسخ في الضلالة أيّ رسوخ ، { له في الدنيا خِزيٌ } : هوان وذُل ، وهو القتل يوم بدر ، وهو بيانُ نتيجةِ ما سلكه من الطريقة ، أي : يثبت له ، بسبب ما فعل ، خزي وصغار ، وهو ما أصابه ببدر ، { ونُذِيقه يومَ القيامة عذابَ الحريق } أي : النار المحرقة . { ذلك } أي : ما ذكر من العذاب الدنيوي والأخروي . وما في الإشارة من البُعد للإيذان بكونه في الغاية القاصية من الهول والفظاعة ، أي : ذلك العذاب الهائل { بما قدمتْ يداك } أي : بسبب ما اقترفْتَهُ من الكفر والمعاصي . وإسناده إلى يديه لأن الاكتساب في الغالب بهما . والالتفات لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد . أو يقال له يوم القيامة : { ذلك بما قدمت يداك وأنَّ الله ليس بظلام للعبيد } ، فلا يأخذ أحدًا بغير ذنب ولا بذنب غيره . وهو خبر عن مضمر ، أي : والأمر أنَّ الله ليس بمعذبٍ لعبيده بغير ذنب ، وأما عطفه على " بما " فغير سديد ، ولفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع في العبيد ، ولأن قليل الظلم منه ، مع علمه بقبحه واستغنائه عنه ، كالكثير منا . قاله النسفي . وقِيل : { ظلام } : بمعنى : ذي ظلم ، فتكون الصيغة للنَّسَبِ . والتعبير عن ذلك بنفي الظلم ، مع أن تعذيبهم بغير ذنب ، ليس بظلم قطعًا ، على ما تقرر في مذهب أهل السنة ، فضلاً عن كونه ظلمًا بالغًا لأن الحق تعالى إنما يُظهر لنا كمال العدل ، وغاية التنزيه ، وإن كان في نفس الأمر جائز أن يعذب عباده بلا ذنب ، ولا يسمى ظلمًا لأنه تصرف في ملكه ، لكنه تعالى لم يظهر لنا في عالم الشهادة إلا كمال العدل . والله تعالى أعلم . الإشارة : من يخاصم في طريق القوم ، وينفيها عن أهلها ، إما أن يكون تقليدًا ، وهو ما تقدم ، أو يكون تكبرًا وعتوًا ، بحيث لم يرض أن يحط رأسه لهم ، وهو ما أشير إليه هنا . ولا شك أن المتكبر لا بد أن يلحقه ذل ، ولو عند الموت . ويوم القيامة يُحشر صاغرًا كالذر ، كما في الحديث . والله تعالى أعلم . ثمَّ ذكر حال المذبذبين بعد ذكر حال المجادلين : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ … } .