Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 11-13)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { لَمَن ضره } : قال ابن عطية : جرى فيه إشكال وهو دخول اللام على " مَنْ " ، وهو في الظاهر مفعول ، واللام لا تدخل على المفعول . وأجيب بثلاثة أوجه أحدها : أن اللام متقدمة على موضعها ، والأصل أن يقال : يدعو مَنْ لَضَرُّهُ أقرب ، فموضعها الدخول على المبتدأ ، وثانيها : أنَّ { يدعوا } تأكيد ليدعو الأول ، وتم الكلام عنده ، ثم ابتدأ قوله : { لَمَن ضره } ، فمن مبتدأ ، وخبره : { لبئس المولى } - قلت - : وإياه اعتمد الهبطي في وقفه ، وثالثها : أن معنى { يدعو } : يقول يوم القيامة هذا الكلام ، إذا رأى مضرة الأصنام ، فدخلت اللام على مبتدأ في أول الكلام . هـ . قلت والأقرب ما قاله الزجاج ، وهو : أن مفعول { يدعو } محذوف ، ويكون ضميرًا يعود على الضلال ، وجملة : { يدعو } : حال ، والمعنى : ذلك هو الضلال البعيد يدعوه ، أي : حال كونه مدعوًا له ، ويكون قوله : { لمن ضره } مستأنفًا مبتدأ ، خبره : { لبئس المولى } . نقله المحشي . وحكم المحلي بزيادة اللام . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن الناس من يعبد الله على حَرْفٍ } أي : على طرف من الدين لا ثبات له فيه ، كالذي ينحرف إلى طرف الجيش ، فإن أحس بظفر قرَّ ، وإلا فر . وفي البخاري عن ابن عباس : " كان الرجل يَقدمُ المدينة ، فإن ولدت امرأتُهُ غلامًا ونُتجَتْ خَيْلُه ، قال : هذا دينٌ صالح ، وإن لم تَلِد امرأته ، ولم تنتج خيلُه ، قال : هذا الدين سُوء " . وكأن الحق تعالى سلك في الآية مسلك التدلي ، بدأ بالكافر المصمم ، يجادل جدالاً مجملاً ، يتبع فيه كل شيطان مريد . والثاني : مقلد مجادل ، من غير دليل ولا برهان ، والثالث : كافر أسلم إسلامًا ضعيفًا . ثم قابل الأقسام الثلاثة بضدهم ، بقوله : { إن الله يدخل الذين آمنوا … } الآية . ثم كمَّل حال المذبذب بقوله : { فإِن أصابه خيرٌ } أي : دنيوي من الصحة في البدن ، والسعة في المعيشة ، { اطمأن به } أي : ثبت على ما كان عليه ظاهرًا ، لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين ، الذين لا يلويهم عنه صارف ، ولا يثنيهم عنه عاطف . { وإِن أصابته فتنةٌ } : بلاء في جسده ، وضيق في معيشته ، أو شيء يفتتن به ، من مكروه يعتريه في بدنه أو أهله أو ماله ، { انقلب على وجهه } أي : ارتد ورجع إلى الكفر ، كأنه تنكس بوجهه إلى أسفل . أو انقلب على جهته التي كان عليها . وتقدم عن ابن عباس أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة ، مهاجرين ، فكان أحدهم إذا صحَّ بدنه ونتجَتْ فَرَسُه مُهْرًا سريًا ، وولدت امرأته غلامًا سويًا ، وكَثُرَ مالُه وماشيته ، قال : ما أصبتُ ، مذ دخلت في ديني هذا ، إلا خيرًا ، واطمأن ، وإن كان الأمر خلافه ، قال : ما أصبتُ إلا شرًّا ، وانقلب عن دينه . وعن أبي سعيد رضي الله عنه : أَنَّ يهُوديًا أَسْلَمَ فَأَصابَتْهُ مَصَائبُ ، وتَشَاءَمَ بالإِسْلامِ ، فَأَتَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَال : أَقِلْنِي ، فقال : " إنَّ الإسْلاَمَ لا يُقالُ " فَنَزلت . { خَسِرَ الدنيا والآخرة } : فَقَدَهُما ، وضيعهما بذهاب عصمته ، وحبوط عمله بالارتداد . وقرأ يعقوب : خاسر ، على حال . { ذلك هو الخسران المبين } الواضح ، الذي لا يخفى على أحد أنه لا خسران مثله . ثم بيَّن وجه خسرانه بقوله : { يدعو } أي : يعبد { مِن دون الله } أي : متجاوزًا عنه تعالى ، { ما لا يضرُّه } إذا لم يعبده ، { وما لا ينفعه } إذا عبده . { ذلك } الدعاء { هو الضلالُ البعيد } أي : التلف البعيد عن الحق . { يدعو } أي : يعبد { لَمَن ضَرُّهُ } أي : الصنم الجامد الذي ضرره { أقربُ من نفعه } . وقرأ ابن مسعود : " يدعو من ضره " ، بحذف اللام . أو : ذلك هو الضلال البعيد يدعوه هذا المذبذب المنقلب على وجهه . قال ابن جزي : وهنا إشكال : وهو أنه تعالى وصف الأصنام بأنها لا تضر ولا تنفع ، ثم وصفها بأن ضررها أكثر من نفعها ، فنفى الضر ثم أثبته ؟ والجواب : أن الضر المنفي أولاً يُراد به ما يكون من فعلها ، وهي لا تفعل شيئًا ، والضر الثاني ، الذي أثبته لها ، يُراد به ما يكون بسببها من العذاب وغيره . هـ . { لبئس المولى } أي : الناصر ، { ولبئس العَشِيرُ } أي : الصاحب . أو يدعو ويصرخ يوم القيامة ، حين يرى استضراره بالأصنام ، ولا يرى لها أثر الشفاعة ، ويقول لِمَنْ ضره أقرب من نفعه : لبئس المولى هو ولبئس العشير . والله تعالى أعلم . الإشارة : ومن الناس من يعبد الله على حرف على طرف من الدين ، غير متمكن فيه ، فإنه أصابه خير ، وهو ما تُسر به النفس من أنواع الجمال ، اطمأن به ، وإن أصابته فتنة ، وهو ما يؤلم النفس وينغص عليها مرادها وشهوتها من أنواع الجلال ، انقلب على وجهه . أو : ومن الناس من يعبد الله على طمع في الجزاء الدنيوي أو الأخروي ، فإن أصابه خير فرح واطمأن به وإن أصابته فتنة سخط وقنط وانقلب على وجهه . أو : ومن الناس من يعبد الله ويسير إليه على حرف ، أي : حالة واحدة ، فإن أصابه خير كقوة ونشاط وورود حال اطمأن به وفرح ، وإن أصابته فتنة كضعف وكسل وذهاب حال ، انقلب على وجهه ، ورجع إلى العمومية ، أو وقف عن السير ، خسر الدنيا والآخرة . خسران الدنيا : ما يفوته من عزّ الله ونصره لأوليائه ، وحلاوة برد الرضا والتسليم ، ولذيذ مشاهدته . وخسران الآخرة : ما يفوته من درجة المقربين ودوام شهود رب العالمين - فالواجب على العبد أن يكون عبدًا لله في جميع الحالات ، لا يختار لنفسه حالاً على حال ، ولا يقف مع مقام ولا حال ، بل يتبع رياح القضاء ، ويدور معها حيث دارت ، ويسير إلى الله في الضعف والقوة . قال بعضهم : سيروا إلى الله عَرْجَى ومكاسير . وفي الحكم : " إلهي قد علمتُ ، باختلاف الآثار وتنقلات الأطور أن مرادك مني أن تتعرف إليّ في كل شيء ، حتى لا أجهلك في شيء " . وقال أيضًا : " لا تطلبن بقاء الواردات ، بعد أن بسطت أنوارها ، وأودعت أسرارها ، فلك في الله غنى عن كل شيء ، وليس يغنيك عنه شيء " . فكن عبد المحوِّل ، ولا تكن عبد الحال ، فالحال تَحُولُ وتتغير ، والله تعالى لا يحول ولا يزول ، فكن عبدًا لله ، ولا تكن عبدًا لغيره . @ لِكَلِّ شَيء إن فارقْتَهُ عِوَضٌ وَلَيْسَ لله إنْ فَارقَتَ مِنْ عِوَض @@ ثمَّ شفع الحق تعالى بضد ما ذكره قبل : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ … } .