Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 115-118)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : أفحسبتم : المعطوف محذوف ، أي : ألم تعلموا شيئاً فحسبتم ، و عبثاً : حال ، أو مفعول من أجله . يقول الحق جل جلاله : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً } أي : عابثين ، أو للبعث من غير حكمة في خلقكم وإظهاركم حتى أنكرتم البعث ، { وأنكم إلينا لا ترجعون } للحساب والجزاء ، بل خلقناكم للتكليف ، ثم للرجوع إلينا ، فنُثيب المحسن ، ونعاقب المسيء . { فتعالى الله } أن يخلق شيئاً عبثاً ، وهو استعظام له نعالى ولشؤونه التي يُصَرِّف عليهاعباده من البدء والإعادة ، والإثابة والعقاب ، بموجب الحكمة ، أي : ارتفع بذاته ، وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعالهوعن خلو أفعاله عن الحِكَم والمصالح والغايات الحميدة . { الملك الحق } الذي يحق له الملك على الإطلاق ، إيجاداً وإعداماً ، وإحياء وإماته ، عذاباً وإثابة ، وكل ما سواه مملوك له ، مقهور تحت ملكوته ، { لا إله إلا هو } ، فإنَّ كل ما عداه عبيده ، { ربُّ العرش الكريم } ، فكيف بما تحته من الموجودات ، كائناً ما كان ، ووصفه بالكرم : إمّا لأنه منه ينزل الوحي الذي منه القرآن الكريم ، والخير والبركة ، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين . { ومن يدعُ مع الله إلهاً آخر } ، يعبده فرداً أو اشتراكاً ، من صفته { لا برهان له به } على صحة عبادته . وفيه تنبيه على أن التدين بما لا دليل عليه باطل ، فكيف بما شهدت بديهة العقول بخلافه ؟ { فإنما حسابُه عند ربه } ، . فهو مُجازٍ له على قدر ما يستحقه ، { إنه } أي : الأمر والشأن { لا يُفلح الكافرون } لا فوز لهم ولا نجاة . بدئت السورة الكريمة بتقرير فلاح المؤمنين ، وختمت بنفي فلاح الكافرين تحريضاً على الإيمان ، وعلى ما يوجب بقاءه وتنميته ، من التمسك بما جاء به التنزيل ، وبما جاء به النبي الجليل ، ليقع الفوز بالفلاح الجميل . ثم علَّمنا سؤال المغفرة والرحمة لأن شؤم المعاصي يؤدي إلى سوء الختام ، فقال : { وقل ربِّ اغفرْ وارحمْ وأنت خير الراحمين } ، وفيه إيذان بأنهما من أهم الأمور الدينية ، حيث أمر به من قد غفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف بمن عداه ؟ نسأل الله - تعالى - المغفرة الشاملة ، والرحمة الكاملة ، لنا ولإخواننا ولجميع المسلمين … آمين . روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه مرَّ بمصابٍ مبتلى ، فقرأ في أذنه : أفحسبتم أنما … إلخ السورة ، فبرئ من حينه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ماذا قرأت في أذنه ؟ فأخبره ، فقال : والذي نفسي بيده لو أن رجلاً مؤمناً قرأها على جبل لزال " . الإشارة : ما أظهر الله الكائنات إلا ليُعرف بها ، ويُظْهِرَ فيها أسرار ذاته وأنوار صفاته ، وفي الأثر القدسي : " كنت كنزاً لم أُعرف ، فأحببتُ أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فتعرفت لهم ، فبي عرفوني " . وفي إيجاد المخلوقات حِكَم بليغه وأسرار عجيبة ، لا يحصيها إلا من خلقها ودبّرها . فمن المخلوقات من خلقهم ليظهر فيهم أثر رحمته وكرمه وإحسانه ، وهم أهل الإيمان والطاعة ، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم حلمه وعفوه ، وهم أهل العصيان ، ومنهم من خلقهم ليظهر فيهم عدله وقهره ونقمته ، وهم أهل الكفر والطغيان . وقال الحكيم الترمذي رضي الله عنه : إن الله خلق الخلق عبيداً ليعبدوه ، فيثيبهم على العبادة ، ويعاقبهم على تركها ، فإنْ عبدوه فهم اليوم له عبيد ، أحرار كرام من رق الدنيا ، ملوك في دار السلام ، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُباق ، سُقاط ، لئام ، أعداء في السجون بين أطباق النيران . هـ . وقال بعضهم : إنما أظهر الله الكون لأجل نبينا صلى الله عليه وسلم تشريفاً له ، فهو من نوره . قال ابن عباس رضي الله عنه : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ابن مريم آمن بمحمد ، ومُر أمتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار … الحديث . قال القشيري : حسابُه على الله في آجله ، وعذابُه من الله له في عاجله ، وهو ما أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ أنْ يَعْبُدَ معه غيره ، لقوله : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، كلامٌ حاصلٌ عن غير دليل عقل ، ولا شهادة خبرٍ ونقل ، فما هو إلا إفك وبهتان ، وقولٌ ليس يساعده برهان . هـ وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق - وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليماً ، والحمد لله رب العالمين .