Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 84-90)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { قل } يا محمد لمن أنكر البعث : { لِمن الأرضُ ومن فيها } من المخلوقات عاقلاً أو غيره ، أي : من أوجدها ، ودبر أمرها ، { إن كنتم تعلمون } شيئاً ؟ والجواب محذوف ، أي : فأخبروني فإن ذلك كاف في الجواب ، { سيقولون لله } لأنهم مُقرُّون بأنه الخالق ، فإن أقروا بذلك { فقل أفلا تذكرون } فتعلمون أنَّ من قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن ، كيف لا يقدر على إعادة الخلق بعد عدومها ؟ فإن الإعادة أهون من البدء . { قل من ربُّ السموات السبع وربُّ العرش العظيم } ، أعيد الرب تنويهاً لشأن العرش ، ورفعاً لمحله لئلا يكون تبعاً للسموات والأرض ، وجوداً وذكراً ، ولقد روعي في الأمر بالسؤال الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، فإن سألتهم سيقولون لله أي : هي لله ، كقولك : مَن رب هذا الدار ؟ فتقول : هي لفلان ، وقال الشاعر : @ إذَا قِيل : مَن رَبُّ الْمَزالِفِ والْقِرَى ورَبُّ الْجِياد الجُرْدِ ؟ قيل : لخَالِدِ @@ وقال الأخَفش : اللام زائدة ، أي : هو الله ، وبعدمه قرأ أهل البصرة ، فيه وفيما بعده ، واتفقوا على إثباته في الأول ، ليطابق السؤال ، فإن أجابوا بذلك { فقل أفلا تتقون } أي : أتعلمون ذلك ، ولا تتقون عذابه في كفركم وجحودكم قدرته على البعث ؟ { قل من بيده ملكوت كل شيء } أي : التصرف التام في كل شيء بقهره وسلطانه ، فالملكوت ، في أصل اللغة ، مبالغة في الملك ، زيدت الواو والتاء للمبالغة ، كالجبروت مبالغةً في الجبر ، وفي عرف الصوفية ، الملكوت : ما بطن من أسرار المعاني القائمة بالأواني ، أو نقول : ما غاب في عالم الشهادة من أسرار الذات ، فحس الأواني مُلك ، ومعانيها ملكوت ، والجبروت : ما خرج عن دائرة الأكوان من بحر الأسرار ، الفائض بأنوار الملكوت ، وهذه أسماء لمسمى واحد ، وهو بحر الوحدة . ثم قال تعالى : { وهو يُجير } أي : يغيث ، يقال : أجرت فلاناً على فلان : إذا أغثته منه ، يعني : وهو يغيث من شاء ممن شاء ، { ولا يُجار عليه } : ولا يغيث أحد عليه ، أي : لا يمنع أحدٌ أحداً بالنصر عليه . { إن كنتم تعلمون } شيئاً ما ، أو تعلمون ذلك ، فأجيبوني ؟ { سيقولون لله } أي : لله ملكوت كل شيء ، وهو يُجير ولا يُجار عليه ، { قلْ فأنى تُسحرون } أي : فمن أين تُخدعون وتُصرفون عن الرشد ، وعن توحيد الله وطاعته ؟ فإنَّ من لا يكون مسحوراً مختل العقل لا يكون كذلك ، قال تعالى : { بل أتيناهم بالحق } الذي لا محيد عنه من التوحيد والوعد بالبعث ، { وإنهم لكاذبون } فيما قالوا من الشرك وإنكار البعث . وبالله التوفيق . الإشارة : قل : لمن أرض النفوس ، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق ؟ سيقولون : هي لله يتصرف فيها كيف يشاء ، فتارة يُملِّكها لعبده ، فتكون تحت قهره وسلطانه ، فيكون حراً من رق الأشياء ، وتارة يُملّكه لها بعدله ، فيكون تحت قهرها وسلطانها ، تتصرف فيه كيف تشاء ، ويكون مملوكاً لها ، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه ، قل : من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار ، وهو القلب الذي هو بيت الرب ، قل : سيقولون : لله ، يظهرها متى شاء ، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء ، قل : من بيده ملكوت كل شيء ، فيتصرف في النفوس والأرواح بالتقريب والتبعيد ، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء ، ويسلطها على مَن يشاء ، ولا يُجار عليه ، لا يمينع من قهره أحد ، فأنَّى تسحرون . قال القشيري : أولاً قال : أفلا تذكرون ، ثم قال بعده : أفلا تتقون قدَّمَ التذكرَ على التقوى لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة ، وبعد أن عرفوه ، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته ، ثم بعد ذلك قال : فأنى تُسْحَرون ؟ أي : بعد وضوح الحجة ، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر ؟ . هـ . ثمَّ أبطل دعوى الولد والشريك