Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 78-83)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وهو الذي أنشأ } : خلق { لكم السمع والأبصار } لتشاهدوا بها عجائب مصنوعاته ودلائل قدرته ، أو لتتوصلوا إلى شهود آياته الكونية والتنزيلية ، { والأفئدة } لتتفكروا بها فيما تشاهدونه منها وتعتبروا ، وخصها بالذكر لأنه يتعلق بها من بالمنافع ما لا يتعلق بغيرها ، وقدَّم السمع لأنَّ أكثر العلوم إنما تُنال به ، { قليلاً ما تشكرون } أي : شكراً قليلاً غير معتد به تشكرون تلك النعم الجليلة لأن العمدة في الشكر : صرف تلك القوى - التي هي في أنفسها نِعمَ باهرة - إلى ما خلقت له ، وأنتم تنتحلون بها ضلالاً عظيماً . { وهو الذي ذرأكم في الأرض } أي : خلقكم وبثكم فيها بالتناسل ، { وإليه تُحشرون } أي : تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم ، فيجازيكم على إحسانكم وإساءتكم . { وهو الذي يُحيي ويميت } ، من غير أن يشاركه في ذلك أحد ولا شيء من الأشياء ، { وله اختلافُ الليل والنهار } أي : المؤثر في اختلافهما ، { أفلا تعقلون } فتعرفون بالنظر والتأمل أن الكل منا ، وأن قدرتنا تعم جميع الممكنات ، التي من جملتها البعث والحساب ، وقُرئ " يعقلون " بالغيب ، على الالتفات لحكاية سوء حال المخاطبين ، { بل قالوا } عطف على مضمر يقتضيه المقام ، أي : فلم يعقلوا { بل قالوا مثلَ ما قال الأولون } أي : آباؤهم ومن دان دينهم ، { قالوا أئذا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } ، هو تفسير لما أبهم قبله ، أي : قالوا : أُنبعث بعد هذه الحالة ، { لقد وُعِدْنَا نحن وآباؤنا هذا } البعث { من قبل } : متعلق بالفعل من حيث إسناده إلى آبائهم لا إليهم ، أي : وُعِدَ هذا آباؤنا من قبلُ ، أو حال من آبائنا ، أي : كائنين من قبل ، { إنْ هذا } أي : ما هذا { إلا أساطير الأولين } أي : أكاذيبهم التي سطروها ، وهي جمع أسطورة كأُحدوثة وأُعجوبة ، أو جمع أسطار ، جمع سطر ، فيكون جمع الجمع . والله تعالى أعلم . الإشارة : ذكر في الآية خمس نِعَم ، يجب على العبد شكر كل واحدة منها ، فشُكْر نعمة السمع : أن تسمع به ما ينفع ، وتكفه عما لا ينفع ، وإذا سمعت خيراً أفشيته ، وإذا سمعت شراً دفنته . وشكر نعمة البصر : أن تنظر به في ملكوت السموات والأرض وما بينهما ، فتعرف عظمة الصانع ، أو تشاهده وتوحده فيها . وشكر نعمة القلوب : أن تعرف بها علام الغيوب ، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب . وشكر نعمة الإيجاد : أن تكون له عبداً في كل حال . وشكر نعمة الإعادة : أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة . وهو الذي يحيي ويميت يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل ، ويميت قوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة ، وذلك بالسلب بعد العطاء والعياذ بالله . وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد ، ثم يُخرجه عنهما ليكون مع الله لا مع شيء سواه . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر دلائل ما أنكروه من البعث