Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 21-22)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خُطواتِ الشيطان } أي : لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وتذرون من الأفاعيل ، والتي من جملتها : منع الإحسان إلى من أساء إليكم غضباً وحَمِيَّةً ، { ومن يتبع خُطُوات الشيطان } ، وضع الظاهر موضع المضمر ، حيث لم يقل : ومن يتبعها ، أو : ومن يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة في التنفير ، { فإنه } أي : الشيطان { يأمرُ بالفحشاء } كالبخل والشح ، وكل ما عَظُمَ قُبْحُهُ ، { والمنكر } كالغضب ، والحمية ، وكل ما ينكره الشرع لأن شأن الشيطان أن يأمر بهما . فمن اتبع خطواته فقد امتثل أمره . { ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه } بالهداية والتوفيق لأسباب التطهير والعصمة والحفظ ، { ما زَكَى منكم } أي : ما طَهُرَ من أَدْناسِ العيوب ولوث الفواحش { من أحدٍ أبداً } إلى ما لا نهاية له ، وإذا كان التطهير والعصمة بيد الله فلا تروا لأنفسكم فضلاً عمن لم يعصمه الله فإنه مقهور تحت مجاري الأقدار ، { ولَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } يطهر من يشاء من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه بالحفظ والرعاية ، أو بالتوبة بعد الجناية ، { والله سميعٌ عليم } سميع لأقوالكم وإن خفيت ، ومن جملتها : الحلف على ترك فعل الخير ، عليم بنياتكم وإخلاصكم . وهذا الكلام مقدمة لقوله : { ولا يأْتَل } ، من قولك : أليت : إذا حلفت ، أي : لاَ يَحْلِفْ { أولو الفضل منكم } أي : في الدين ، وكفى به دليلاً على فضل الصِّدِيقِ رضي الله عنه ، { والسَّعَةِ } . أي : والسعة في المال { أن يُؤتوا } أي : لا يحلف على ألا يُعطوا { أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيلِ الله } كمسطح ، فإنه كان ابن خالته ، وكان من فقراء المهاجرين . وهذه الأوصاف هي لموصوف واحد ، جيء بها ، بطريق العطف تنبيهاً على أن كلاًّ منها علة مستقلة لا ستحقاقه الإيتاء . وحذف المفعول الثاني لظهوره ، أي : على ألاّ يؤتوهم شيئاً ، { وليعفُوا } عما فرط منهم { وليصفحُوا } بالإغضاء عنه ، فالعفو : التستر ، والصفح : الإعراض ، أي : وليتجاوزوا عن الجفاء ، وليُعرضوا عن العقوبة . { ألا تُحبُّون أن يغفر الله لكم } ؟ فلتفعلوا ما تحبون أن يُفْعَلَ بكم وبهم ، مع كثرة خطاياهم ، { والله غفور رحيم } مبالغ في المغفرة والرحمة ، مع كثرة ذنوب العباد ، فتأدبوا بآداب الله ، واعفوا ، وارحموا . ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه قال : بل أُحب أن يغفر الله لي . ورد إلى مسطح نفقته ، وقال : والله لا أنزعها منه أبداً . وبالله التوفيق . الإشارة : كل ما يصد عن مكارم الأخلاق كالحلم ، والصبر ، والعفو ، والكرم ، والإغضاء ، وغير ذلك من الكمالات ، فهو من خطوات الشيطان ، تجب مجانبته ، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر كالغضب ، والانتصار ، والحمية ، والحقد ، والشح ، والبخل ، وغير ذلك من المساوئ ، ولا طريق إلى الدواء من تلك المساوئ إلا بالرجوع إلى الله والاضطرار له ، والتعلق بأذيال فضله وكرمه . ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ، فإذا تعلق بالله ، واضطر إليه اضطرار الظمآن إلى الماء طهَّره الله وزكاه ، إما بلا سبب ، أو بأن يلقيه إلى شيخ كامل ، يُربيه ويهذبه بإذن الله ، وهذا هو الكثير ، والكل منه وإليه . قال الورتجبي قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم رحمته … } إلخ : بيّن أن تطهير العباد من الذنوب لا يكون إلا بفضله السابق وعنايته الأزلية ، كيف يزكي العِلَلَ ما يكون عللاً ، فالمعلول لا يُطَهِّرُ ، والمعلول أفعال الحدثان على كل صنف ، ولطف القديم له استحقاق ذهاب العلل بوصوله . قال السياري : قال الله : { ولولا فضل الله عليكم } ، ولم يقل : لولا عبادتكم وصلاتكم وجهادكم وحسن قيامكم بأمر الله ما نجا منكم أحد ليعلم أن العبادات ، وإن كثرت ، فإنها من نتائج الفضل . هـ . قال في الحاشية : وظهر لي أن الآية مقدمة لما ندب إليه الصدِّيق بقوله : { ولا يأتل أولو الفضل منكم } ، ففيه إشارة إلى أن فضله وزكاته فضل من الله عليه ، وعنايةٌ سابقةٌ ، وهي سبب حِفْظِهِ وتحليه بِخِلَعِ كوامل الأوصاف ، فليشهدْ ذلك ، ولا يأتل على من لم يجد ذلك ، حتى وقع فيما وقع من القذف ، بل يعذره ، ويرى مِنَّةَ الله عليه في كونه نَزَّهَهُ بعنايته من الوقوع في مثل ذلك ، مع كون المحل قابلاً ، ولكن الله خَصَّصَهُ . هـ . قال الورتجبي على قوله : { ولا يأتل … } إلخ : في الآية بيانُ وتأديبُ الله للشيوخ والأكابر ألاَّ يهجروا صاحب العثرات والزلات ، من المريدين ، ويتخلقوا بخلق الله ، حيث يغفر الذنوب العظامَ ولا يبالي ، وأَعْلَمَهُمْ الاّ يَكُفُّوا أعطافهم عنهم . ثم قال : فَإنَّ مَنْ لَهُ اسْتِعْدَادٌ لا يَحْتَجِبُ بِعَوَارِضِ البَشَرِيَّةِ عَنْ أَحْكَامِ الطَّرِيقَةِ أبَداً . هـ . ثم ذكر وبال القاذفين لعائشة - رضي الله عنها - أو لغيرها ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ … }