Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 36-38)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : في بيوت : يتعلق بمشكاة ، أي : كائنة في بيوت ، أو توقد ، أو يسبح ، أي : يسبح له رجال في بيوت ، وفيه تكرير لزيادة التأكيد ، نحو : زيد في الدار جالس فيها ، أو بمحذوف ، أي : سبّحوا في بيوت . وأَذِنَ : نَعْتٌ له . يقول الحق جل جلاله : وذلك النور الذي في المشكاة يكون { في بيوتٍ أَذن الله أن ترفع } ، وهي المساجد والزوايا المُعدَّة لذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن . ورفعها : تعظيمها . أي : التي أمر الله بتعظيمها كتطهيرها من الخبث ، وتنقيتها من القذى ، وتعليق القناديل ونصب الشموع ، ويزاد التعظيم في شهر رمضان . ومن تعظيمها : غلقها في غير أوقات الصلاة ، وقيل المراد برفعها : بناؤها ، كقوله تعالى : { … بَنَـٰهَا رَفَعَ سَمْكَهَاَ … } [ النازعات : 27 - 28 ] { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } [ البقرة : 127 ] ، والأول أصح . { و } أَذِنَ أيضاً أن { يُذْكَرَ فيها اسمُه } ، وهو عام في جميع الذِّكْر ، مفرداً أو جماعة ، ويدخل فيه تلاوة القرآن . { يُسَبِّحُ له فيها بالغُدوّ والآصال } أي : يصلي له فيها بالغداة : صلاة الفجر ، والآصال : صلاة الظهر والعصر والعِشَاءين . وإنما وَحَّد الغدو لأن صلاته صلاة واحدة ، وفي الآصال صلوات ، وهو جمع أصيل ، وفاعل " يُسَبِّحُ " : رجال . ومن قرأ بفتح الباء ، فأسنده إلى أحد الظروف الثلاثة ، أعني : له فيها بالغدو . و " رجال " : مرفوع بمحذوف ، دل عليه { يُسبح } أي : يسبحه { رجالٌ لا تُلهيهم } : لا تشغلهم { تجارةٌ } في السفر ، { ولا بيعٌ } في الحضر ، { عن ذكر الله } باللسان والقلب ، وقيل : التجارة : الشراء ، أي : لا يشغلهم شراء ولا بيع عن ذكر الله ، والجملة صفة لرجال ، مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة ، مفيدة لكمال تَبَتُّلِهِمْ إلى الله تعالى ، واستغراقهم فيما حكى عنهم من التسبيح من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم . وتخصيصُ التِّجَارَةِ بالذكر لكونها أقوى الصوارف عندهم وأشهرها ، أي : لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة ، ولا فرد من أفراد البياعات ، وإن كان في غاية الربح . وإفراده بالذكر ، مع اندراجه تحت التجارة لأنه ألهى لأن ربحه متيقن ناجز في الغالب ، وما عداه متوقع في ثاني الحال . { و } لا يشغلهم ذلك أيضاً عن { إِقامِ الصلاةِ } أي : إقامتها لمواقيتها من غير تأخير ، وأصله : وإقامة ، فأسقطت التاء المعوضة عن العين الساقطة بالإعلال ، وعوض عنها الإضافة ، فأقيمت الإضافة مقام التاء ، { وإِيتاء الزكاة } أي : وعن إيتاء الزكاة ، وذكرها ، وإن لم يكن مما تفعل في البيوت ، لكونها قرينتها لا تفارق إقامة الصلاة في عامة المواضع ، مع ما فيه من التنبيه على أن مَحَاسِنَ أعمالهم غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فيما يقع في المساجد . والمعنى : لا تجارة لهم حتى تلهيهم ، أو يبيعون ويشترون ويذكرون الله مع ذلك ، لا يشغلهم عن ذكر الله شيء ، وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها مسرعين . { يخافون يوماً } أي : يوم القيامة { تتقلَّبُ فيه القلوبُ } أي : تضطرب وتتغير من الهول والفزع ، وتبلغ إلى الحناجر ، { و } تتقلب { الأبصارُ } بالشخوص أو الزرقة . أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران ، والأبصار إلى العيان بعد النكران ، كقوله : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] . يفعلون ذلك الاستغراق في التسبيح والذكر ، مع الخوف { ليجزيهم الله أحسنَ ما عَمِلُوا } أي : أحسن جزاء أعمالهم ، حسبما وعدهم بمقابلة حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، { ويزيدَهُم من فَضْلِه } أي : يتفضل عليهم بأشياء وعدهم بها ، لم تخطر على بال كالنظر إلى وجهه ، وزيادة كشف ذاته ، فهو كقوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . { والله يرزق من يشاء بغير حساب } أي : يثيب من يشاء ثواباً لا يدخل تحت حساب الخلق ، و " مَنْ " : واقعة على من ذُكِرَتْ أوصافهم الجميلة ، كأنه قيل : والله يرزقهم بغير حساب ، ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه على أن مناط الرزق المذكور مَحْضُ مشيئتِه تعالى ، لا أعمالهم المحكية ، ويحتمل أن يريد بالرزق ما يرزقهم في الدنيا مما يقوم بأمرهم ، حين تَبتَّلُوا إلى العبادة ، يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ، من غير حَصْرٍ ولا عد . والله تعالى أعلم . الإشارة : البيوت التي أَذِنَ الله أن تُرفع هي القلوب ، التي هي معدن الأسرار ومحل مصابيح الأنوار ، ورفعها : صونها من الأغيار ، وتطهيرها من لوث الأكدار ، وبُعدها من جيفة الدنيا ، التي هي مجمع الخبائث والأشرار ، ليُذكَرَ فيها اسم الله ، كثيراً ، على نعت الحضور والاستهتار ، وإنما يمكن ذلك من أهل التجريد والانقطاع إلى الله ، الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب عن حضرة الله ، والأبصار عن شهود الله ، وذلك بشؤم الغفلة في الدنيا عن الله ، والقيام بحقوق الله ، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ، في جنة الزخارف ، ويزيدهم من فضله التَّنَزُّهَ في جنة المعارف . والله يرزق من العلوم والمعارف من يشاء بغير حساب . ثم ذكر ضد أهل النور وهم أهل الظلمة فقال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ … }