Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : من شأن { الزاني } الخبيث : أنه لا يرغب إلا في زانية خبيثة من شكله ، أو في مشركة ، والخبيثة المسافحة لا يرغب فيها إلا من هو من شكلها ، من الفسقة أو المشركين ، وهذا حُكْمٌ جار على الغالب المعتاد ، جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني ، بعد زجرهم عن الزنا بهن إذ الزنا عديل الشرك في القبح ، كما أن الإيمان قرين العفاف والتحصن ، وهو نظير قوله : { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ } [ النور : 26 ] . روي أن المهاجرين لَمَّا قدموا المدينة ، وكان فيهم من ليس له مال ولا أهل ، وبالمدينة نساء بغايا مُسافِحَات ، يُكرين أنفسهن وهُنَّ أخْصَبُ أهل المدينة ، رغب بعضُ الفقراء في نكاحهن لحسنهن ، ولينفقوا عليهم من كَسْبِهِنّ ، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ، فنفرهم الله تعالى عنه ، وبيَّن أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين ، فلا تحوموا حوله لئلا تنتظموا في سلكهم وتَتَّسِمُوا بسمتهم . قيل : كان نكاح الزانية محرماً في أول الإسلام ، ثم نسخ بقوله : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] . وقيل : المراد بالنكاح : الوطء ، أي : الزاني لا يزني إلا بزانية مثله ، وهو بعيد ، أو باطل . وسُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمن زنا بامرأة ثم تزوجها . فقال : " أَوَّلُهُ سِفَاحٌ ، وآخره نكاح والحرام لا يُحرم الحلال " . ومعنى الجملة الأولى : وصفُ الزاني بكونه غير راغب في العفائف ، ولكن في الفواجر . ومعنى الثانية : وصف الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ، ولكن الزناة ، وهما معنيان مختلفان . وقدّم الزاني هنا ، بخلاف ما تقدم في الجلد لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا ، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية ، كما تقدم ، وأما هنا فمسوقة لذكر النكاح ، والرجل اصل فيه . ثم ذكر الحُكْم فقال : { وحُرِّم ذلك على المؤمنين } أي : نكاح الزواني بقصد التكسب ، أو : للجمال لما في ذلك من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة ، والتعرض لسوء المقالة والغيبة والطعن في النسب ، وغير ذلك من المفاسد التي لا تكاد تليق بأحد من الأداني والأراذل ، فكيف بالمؤمنين والأفاضل ؟ ، ولذلك عبّر عن التنزيه بالتحريم ، مبالغة في الزجر ، وقيل : النفي بمعنى النهي ، وقرئ به . والتحريم : إما على حقيقته ، ثم نسخ بقوله : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] إلخ ، أو : مخصوص بسبب النزول . والله تعالى أعلم . الإشارة : الصحبة لها تأثير في الأصل والفرع ، فيحصل الشرف أو السقوط بصحبة أهل الشرف أو الأراذل ، وفي ذلك يقول القائل : @ عَلَيْكَ بأَرْبَابِ الصُّدُورِ ، فَمَنْ غَدَا مُضَافاً لأَرْبَابِ الصُّدُورِ تَصَدَّرَا وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى بِصُحْبَةِ سَاقِطٍ فَتَنحط قَدْراً مِنْ عُلاَكَ وَتَحْقُرَا @@ فالمرء على دين خليله ، ومن تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها ، والحكم للغالب ، فإن كان النورُ قوياً غلب الظلمةَ ، وإن كانت الظلمة قوية غلبت النور ، وصيرته ظلمة ، ولذلك نهى الله تعالى عن نكاح الزواني ، فإنه وإن كان نور الزوج غالباً - إذا كان ذا نور - فإن العِرْقَ نَزَّاعٌ ، فيسرى ذلك في الفروع ، فلا تكاد تجد أولاد أهل الزنا إلا زناة ، ولا أولاد أهل العفة إلا أعِفَّاء ، { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [ الأعراف : 58 ] . وفي الحديث : " إياكم وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ ، قيل : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء " قال ابن السكيت : شبهها بالبقلة الخضراء في دِمْنَةِ أرض خبيثة لأن الأصل الخبيث يحن إلى أصله ، فتجيء أولادها لأصلها في الغالب . فيجيب على اللبيب - إن ساعفته الأقدار - أن يختار لزراعته الأرض الطيبة ، وهي الأصل الطيب ، لتكون الفروع طيبة . وفي الحديث : " تخيَّرُوا لنطفكم ولا تضعوها إلاّ في الأَكْفَاءِ " هـ . وبالله التوفيق . ثمَّ ذكر حدَّ القذف ، فقال : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ … }