Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " ثمانين " : مفعول مطلق ، و " جلَدة " : تمييز . " إلا الذين تابوا " : إما استثناء من ضمير " لهم " ، فمحله : الجر ، أو : من قوله : " الفاسقون " ، فمحله : النصب لأنه بعد مُوجَبٍ تام . يقول الحق جل جلاله ، في بيان شأن العفائف ، بعد بيان شأن الزواني : { والذين يرمُون } أي : يقذفون بالزنا { المحصناتِ } الحرائر العفائف المسلمات المكلفات ، بأن يقول : يا زانية ، أو : يا مُحبة ، ولا فرق بين التصريح والتعريض ، ولا بين النساء والرجال ، قاذفاً أو مقذوفاً . والتعبير بالرمي ، المنبئ عن صلابة الآلة ، وإيلام المرمى ، وبعده عن الرامي إيذان بشدة تأثيره فيهن ، وكونه رجماً بالغيب . والتعبير بالإحصان يدل على أن رميهن إنما كان بالزنا ، لا غير . { ثم لم يأتوا بأربعةِ شهداء } يشهدون عليهن بما رموهن به ، وفي كلمة " ثم " إشارة إلى جواز تأخير الإتيان بالشهود ، كما أن في كلمة " لم " : تحقق الإتيان بهم . وشروط إحصان القذف : الحرية ، والعقل ، والبلوغ ، والإسلام ، والعفة عن الزنا ، فإن توفرت الشروط { فاجلدوهم } أي : القاذفين { ثمانينَ جلدة } لظهور كذبهم وافترائهم لقوله تعالى : { فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ النور : 13 ] ، وتخصيص رميهن بهذا الحكم ، مع أن رمي المحصنين أيضاً كذلك لخصوص الواقعة ، وشيوع الرمي فيهن . والحدود كلها تشطر بالرق ، فعلى العبد في الزنا خمسون ، وفي القذف أربعون . { ولا تقبلوا لهم } بعد ذلك { شهادةً أبداً } زجراً لهم لأن رد شهادتهم مؤلم لقلبهم ، كما أن الجلد مؤلم لبدنهم . وقد آذى المقذوف بلسانه ، فعوقب بإهدار شهادته ، جزاء وفاقاً . والمعنى : ولا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات ، حال كونها حاصلة لهم عند الرمي ، أبداً ، مدة حياتهم ، فالرد من تتمه الحدّ ، كأنه قيل : فاجلدوهم وردوا شهادتهم ، أي : فاجمعوا لهم بين الجلد والرد . { وأولئك هم الفاسقون } ، كلام مستأنف غير داخل في جزاء الشرط لأنه حكاية حال الرامي عند الله تعالى بعد انقضاء الجزاء ، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد للإيذان ببُعد منزلتهم في الشر والفساد ، أي : أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق ، والخروج عن الطاعة ، والتجاوز عن الحد ، فإنهم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم ، دون غيرهم . { إلا الذين تابوا من بعد ذلك } القذف ، { وأَصلحوا } أحوالهم ، فهو استثناء من الفاسقين ، بدليل قوله : { فإن الله غفور رحيم } أي : يغفر ذنوبهم ويرحمهم ، ولا ينظمهم في سلك الفاسقين . فعلى هذا لا تُقبل شهادته مطلقاً فيما حدّ فيه وفي غيره لأن رد شهادته وُصلت بالأبد ، وأما توبته فإنما تنفعه فيما بينه وبين الله ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، وهو قول ابن عباس وشريح والنخعي . وقيل : الاستثناء راجع لقوله : { ولا تقبلوا لهم شهادة } ، فإذا تاب وأصلح قبلت شهادته مطلقاً لأنه زال عنه اسم الفسق ، والأبد عبارة عن مدة كونه فاسقاً ، فينتهي بالتوبة ، وبه قال الشافعي وأصحابه ، وهو قول الشعبي ومسروق وابن جبير وعطاء وسليمان بن يسار . وفصل مالك ، فقال : لا تجوز فيما حدّ فيه ، ولو تاب ، وتجوز فيما سواه ، وكأنه جمع بين القولين . والله تعالى أعلم . الإشارة : الغض عن مساوئ الناس من أفضل القرب ، وهو من شيم ذوي الألباب ، وبه السلامة من الهلاك والعطَب ، والتعرض لمساوئهم من أعظم الذنوب ، وأقبح العيوب ، ولله در القائل : @ إذَا شئْتَ أَن تَحْيَا ودينك سالم وحظك موفُورٌ وعِرْضُكَ صَيّنُ لِسَانَكَ ، لا تذكُرْ به عَوْرَةَ امِرىءٍ فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ وإنْ أبصرت عَيْنَاكَ عيباً فقل لها : أيا عَيْنُ لا تنظري فللناس أعيُنُ وعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ وجَانِبْ مَنِ اعتَدى وفارقْ ولكنْ بالتي هي أحْسَنُ @@ فالمتوجه إلى الله لا يشتغل بغير مولاه ، ولا يرى في المملكة سواه ، يذكر الله على الأشياء ، فتنقلب نوراً لحسن ظنه بالله ، ويلتمس المعاذر لعباد الله لكمال حسن ظنه بهم . وبالله التوفيق . ثم تكلم على من رمى زوجته وبه يقع اللعان ، فقال : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ … }