Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 41-42)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ألم تَرَ } يا محمد ، وخصَّه بالخطاب إيذاناً بأنه صلى الله عليه وسلم قد أفاض عليه أعلى مَرَاتِبَ النور وأجلاها ، وبيَّن له من أسرار الملكوت أجلهَا وأخفاها ، أي : ألم تنظر بعين بصيرتك ، فتعلم علم اليقين ، { أن الله يُسبِّح له } أي : ينزهه على الدَّوَامِ { من في السموات والأرض } من العقلاء وغيرهم ، تنزيهاً معنوياً ، فإن كلا من الموجودات يدل على وجود صانع واجب الوجود ، متصف بصفات الكمال ، مقدس عن كل ما لا يليق بعلو شأنه . أو تنزيهاً حسياً بلسان المقال ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم . وتخصيص التنزيه بالذكر ، مع دلالة ما فيهما على اتصافه تعالى بنعوت الكمال أيضاً لأن مساق الكلام تَقْبيحُ حَالِ الكفرة في إخلالهم بالتنزيه بجعلهم الجمادات شركاء له ودعوى اتخاذه الولد . { و } يسبحه { الطيرُ } حال كونها { صافَّاتٍ } أي : يصففن أجنحتهن في الهواء ، وتخصيصها بالذكر ، مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها ، ولاختصاصها بصنع بارع ، وهو اصطفاف أجنحتها في الجو ، وتمكينها من الحركة كيف تشاء ، وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط ، ففي ذلك دلالة واضحة على كمال قدرة الصانع المجيد ، وغاية حكمة المبدئ المعيد . { كُلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه وتسبيحه } أي : كل واحد من الأشياء المذكورة قد عَلِمَ الله تعالى صَلاتَهُ ، أي : دعاءه وخضوعه وتسبيحه . أو : كلٌّ قد علم في نفسه ما يصدر عنه من صَلاَةٍ وتسبيح ، فالضمير : ما إليه أو لكلٌ . ولا يبعد أن يلهم الله الطيرَ دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها . { والله عليم بما يفعلون } لا يعزب عن علمه شيء . { ولله ملكُ السموات والأرض } لا لغيره لأنه الخالق لهما ، ولما فيهما من الذوات ، وهو المتصرف فيهما إيجاداً وَإعْداماً ، { وإلى الله المصير } أي : إليه ، خَاصَّةً ، رجوع الكل بالفناء والبعث لا إلى غيره ، وإظهار اسم الجلالة في وضع الإضمار ، لتربية المهابة ، والإشعار بِعِلِّيّةِ الحُكم . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما استقر في السموات السبع والأرضين السبع كله من قَبْضَةِ النُّور الأوَّلِيَّةِ بين حس ومعنى ، حسه خاضع لأحكام الربوبية ، ومعناه قاهر بسطوات الألوهية ، حسه حِكْمةٌ ، ومعناه قدرة ، حسه مُلْكٌ ، ومعناه ملكوت ، وهذا معنى قوله : { الله نورُ السموات والأرض } ، فافهم . ثم ذكر جزيئات من تلك النور فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً … }