Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 58-59)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا } ، ويدخل فيه النساء ، { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين ملكت أيمانُكُم } من العبيد والإماء ، { والذين لم يبلغوا الحُلُمَ منكم } أي : والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار ، { ثلاثَ مراتٍ } في اليوم والليلة ، وهي { من قبلِ صلاة الفجر } لأنه وقت القيام من المضاجع ، وطرح ما ينام فيه من الثياب ، ولبس ثياب اليقظة ، وربما يجدهم في هذا الوقت نائمين متجردين ، { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } وهي نصف النهار في القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة ، { ومن بعد صلاةِ العشاء } لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة ، والالتحاف بثياب النوم . هي { ثلاثُ عوراتٍ لكم } ، ومن نصبه فَبَدلٌ من { ثلاث مرات } أي : أوقاتُ ثلاثِ عوراتٍ ، وسمى كل واحد من هذه الأوقات عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها ، والعورة : الخلل ، ومنه سمي الأعور لاختلاف عينه . رُوي أن غلاماً لأسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كَرِهَتْهُ ، فنزلت . وقيل : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدْلِجَ بنَ عَمرو الأنصاري ، وكان غلاماً ، وقت الظهيرة ، ليدعو عُمر رضي الله عنه ، فدخل عليه وهو نائم قد انكشف عنه ثوبه ، فقال عمر رضي الله عنه : لوددت أن الله تعالى نهى عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن ، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده وقد نزلت عليه هذه الآية . والأمر ، قيل : للوجوب ، وقيل : للندب . ثم عذرهم في ترك الاستئذان في غير هذه الأوقات ، فقال : { ليس عليكم ولا عليهم جُناح بعدهنّ } أي : لا إثم عليكم ولا على المذكورين من المماليك والغلمان في الدخول بغير استئذان بعد كل واحدة من تلك العورات الثلاث ، أي : في الأزمنة التي بين هذه العورات الثلاث . ثم بيّن العلة في ترك الاستئذان في هذه الأوقات بقوله : { طوَّافون } أي : هم { طوَّافون عليكم } لحاجة البيت والخدمة ، { بعضُكم على بعضٍ } أي : بعضكم طائف على بعض ، أو يطوف على بعض ، والجملة : إما بدل مما قبلها ، أوبيان ، يعني : أنكم محتاجون إلى المخالطة والمداخلة ، يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام ، فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأفضى إلى الحرج ، وهو مدفوع بالنص ، { كذلك يبين الله لكم الآيات } أي : كما بيّن الاستئذان ، يبين لكم غيره من الآيات التي تحتاجون إلى بيانها ، { والله عليمٌ } بمصالح عبادة ، { حكيم } فيما دَبَّرَ وحكم به . { وإذا بلغ الأطفالُ منكم } أي : الأحرار دون المماليك { الحُلُمَ } أي : الاحتلام ، وهو البلوغ ، وأرادوا الدخول عليكم { فَلْيَستأذِنوا } في جميع الأوقات . قال القرطبي : لم يقل : { فليستأذنوكم } ، وقال في الأولى : { ليستأذنكم } لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبَدين . هـ . قلت : فالمخاطبون في الأولى هم الأولياء بتعليمهم الاستئذان وإيصائهم به ، وهنا صاروا بالغين ، فأمرهم بالاستئذان { كما استأذن الذين من قبلهم } أي : الذين بلغوا الحُلُم مِن قبلهم ، وهم الرجال المذكورون في قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } [ النور : 27 ] الآية . والمعنى : أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن ، إلا في العورات الثلاث ، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا الحُلُمَ وَجَبَ أن يُفطَمُوا عن تلك العادة ، ويُحملوا على أن يَسْتَأْذِنوا في جميع الأوقات ، كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن . والناس عن هذه غافلون . عن ابن عباس رضي الله عنه : ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقوله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] ، وقوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } [ النساء : 8 ] . وعن سعيد بن جبير : يقولون : إنها منسوخة ، والله ما هي بمنسوخة . وعن ابن عباس أيضاً قال : إنما أُمروا بها حين لم يكن للبيوت الستر ، فلما وجدوا ذلك استغنوا عن الاستئذان . وعن أبي محمد مكي : هذا الأمر إنما كان من الله للمؤمنين إذ كانت البيوت بغير أبواب . قلت : أما باعتبار الأجانب فالأبواب تكفي ، وأما باعتبار المماليك والأطفال الذين يلجون الدار من غير حَجْرٍ فلا تكفي الأبواب في حقهم ، فلا بد من الاستئذان كما في الآية . { كذلك } أي : مثل ذلك البيان العجيب { يُبين الله لكم آياته } . قال ابْنُ عرفة : قال قبل هذه وبعدها : الآيات ، وفي هذه : آياته لوجهين ، الأول : هذه خاصة بالأطفال ، وما قبلَها عامة في العبيد والأطفال ، فأطلقت الآية ، ولم تقيد بالإضافة ، وهذه خاصة ، فعبّر عنها بلفظ خاص . الثاني : أن الخطاب بما هنا للبالغين ، فأسند فيه الحكم إلى الله تعالى ، تخويفاً لهم وتشديداً عليهم . هـ . والمتبادر أنه تفنن . قاله المحشي الفاسي . { والله عليمٌ حكيم } فيما أمر ودبر . الإشارة : إنما أمر الله بالاستئذان لئلا يُكشف السر إلى غير أهله غَيْرَةً منه تعالى على كشف أسرار عباده ، وإذا كان غار على كشف سر عبد ، فَغَيْرَتُهُ على كشف أسرار ذاته أولى وأحرى ، فيجب كتم أسرار الذات عن غير أهله ، وكل من خصه الله بسر وجب كتمه إلا على من هو أهل له ، وهو من أَعْطَى نفسه وماله ، وباعهما لله تعالى . وكل من أُطْلِعَ على سر من أسرار الله أو قضاء من قضائه ، ثم استشرف أن يُعْلِم الناس بذلك فهو كذاب . وفي الحِكَم : " استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصِيَّتِكَ دليل على عدم صدقك في عبوديتك " . وبالله التوفيق . ثم رخّص للعجائز في عدم التستر من الرجال فقال : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ … }