Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-62)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { إِنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } ، إنما ذكر الإيمان بالله ورسوله في حيز الصلة للموصول الواقع خبراً للمبتدأ ، مع تضمنه له تقريراً لِمَا قبله ، وتمهيداً لما بعده ، وإيذاناً بأن ما بعده حقيق بأن يُجْعَلَ قريناً للإيمان بهما ومنتظماً في سلكه . { وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ } : عَطْفٌ على آمنوا ، دَاخِلٌ في حيز الصلة ، أي : إنما الكاملون في الإيمان : الذين آمنوا بالله ورسوله عن صميم قلوبهم ، وأطاعوه في جميع الأحكام والأحوال المطردة الوقوع ، والأحوال الواقعة بحسب الاتفاق ، كما إذا كانوا معه - عليه الصلاة والسلام - على أمر مُهم يجب الاجتماع في شأنه كالجمعة والأعياد ، والجهاد ، وتدريب الحروب ، وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع ، { لم يذهبوا حتى يستأذنوه } ، ويأذن لهم ، ولو كان الأمر يقوم بدونهم ، ليتميز المخلص من المنافق ، فإن دَيْدنه التسلل للفرار ، ولتعظيم الجرم لما في الذهاب بغير إذنه صلى الله عليه وسلم من الخيانة . وَلَمَّا أراد الحقُّ تعالى أَنْ يُرِيَهُمْ عِظَمَ الجنايةِ في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه ، إذا كانوا معه على أمر جامع ، جعل ترك ذهابهم والصبر معه ، حتى يأذن لهم : ثالث الإيمان ، وجعل الإيمان برسوله كالسبب له ، والبساط لذكره ، وذلك مع تصدير الجملة بـ " إنما ، ثم عقبة بما يزيده توكيداً وتشديداً حيث أعاده على أسلوب آخر فقال : { إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } ، فقضَى بأن المستأذنين هم المؤمنون خاصة . وفي " أولئك " : من تفخيم المستأذنين ، ما لا يخفى ، { فإذا استأذنوك } في الانصراف { لبعض شأنهم } أي : أمرهم المهم وخطْبهم الملم . { فَأَذَنْ لِمَنِ شئْتَ منهم } لما علمت في ذلك من مصلحة وحكمة . وهذا بيان لما هو وظيفة صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، إثر بيان ما هو وظيفة المؤمنين ، وأن الإذن منه - عليه الصلاة والسلام - ليس بأمر محتوم ، بل هو مفوّض إلى رأيه عليه الصلاة والسلام ، وفيه مِنْ رَفْع شأنه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى . والفاء : لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي : بعدما تحقق أن الكاملين في الإيمان هو المستأذِنُون . { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فَأْذَنْ لمن شئتَ منهم واستغفر لهم الله } ، فإن الاستئذان ، وإن كان لعذر ، فقد لا يخلو من شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة ، ففيه دليل على أن الصبر وترك الاستئذان أفضل . { إن الله غفور رحيم } مبالغ في غفران فَرَطَاتِ العِبَاد ، وفيه إفاضة آثار الرحمة عليهم . وما ذكره الحق تعالى في شأن الصحابة مع الرسول - عليه الصلاة والسلام - في شأن الاستئذان ينبغي أن يكون كذلك مع أئمتهم ومقدّميهم في العلم والدين ، لا يتفرقون عنهم إلا بإذن . والآية نزلت في الخندق ، كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان ، فنزلت . وبقي حكمها عاماً إلى يوم القيامة . والله تعالى أعلم . الإشارة : من آداب الفقراء مع شيخهم ألا يتحركوا لأمر إلا بإذنه ، أما أهل البدايات فيستأذنون في الجليل والحقير ، كقضية الفقير الذي وجد بَعْضَ البَاقِلاَّءِ - أي : الفول - في الطريق ، فأتى بها إلى الشيخ ، فقال : يا سيدي ما نفعل به ؟ فقال : اتركه ، حتى تفطر عليه ، فقال بعض الحاضرين : يستأذنك في الباقلاء ؟ فقال : لو خالفني في أمر لم يفلح أبداً . وأما أهل النهايات الذين عرفوا الطريق ، واستشرفوا على عين التحقيق ، وحصلوا على مقام الفهم عن الله ، فلا يستأذنون إلا في الأمر المهم كالتزوج ، والحج ، ونحوهما . وَصَبْرُهُ حتى يأمره الشيخ بذلك أولى ، فالمريد بقدر ما يترك تدبيره مع الشيخ ، ويتحقق بالتفويض معه قبل الوصول ، كذلك يتركه ويتحقق تفويضه مع الله بعد الوصول . فالأدب مع الشيخ هو الأدب مع الله ، لكن لما كان من شأن العبد الجهل بالله وسوء الأدب معه أمره بالتحكيم لغيره من جنسه ، فإذا حكم جنسه على نفسه قبل المعرفة حكم الله على نفسه بعد المعرفة . والتحكيم في غاية الصعوبة على النفس ، لا يرضاها إلا من سبقت له الهداية ، وجذبته جواذب العناية ، أعني الدخول تحت الشيخ وتحكيمَه على نفسه ، حتى لا يتحرك إلا بإذنه ، فهذا سبب الوصول إلى مقام الشهود والعيان ، فإذا فعل المريد شيئاً من غير استئذان فليتب وليطلب من الشيخ الاستغفار له . وينبغي للشيخ أن يقبل العذر ويسامح ويستغفر له ، لقوله تعالى : { واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم } ، فالخليفة لرسول الله قائم مقامه ، ونائب عنه في رتبة التربية . والله تعالى أعلم . ثم نهاهم عن التساهل في ترك الاستئذان ، فقال : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ … }