Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 63-64)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { لا تجعلوا دُعاءَ الرسولِ بينكم كدُعَاءِ بعضِكم بعضاً } أي : إذا احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم لأمر جامع ، فدعَاكم ، فلا تتفرقوا عنه إلا بإذنه ، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً ، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الراعي لأن أمره - عليه الصلاة والسلام - وشأنه ليس كشأنكم : أو : لا تجعلوا دعاء الرسول على أحد ، كدعاء بعضكم على بعضاً ، فإنَّ غضبه عليه ليس كغضبكم لأن غضبه غضب الله ، ودعاءه مستجاب . وهذا يناسب ما قبله من جهة التحذير عن ترك الاستئذان ، فإنَّ من رجع بغير استئذان معرض لغضبه - عليه الصلاة والسلام - ودعائه عليه . أو : لا تجعلوا نداءه صلى الله عليه وسلم كنداء بعضكم بعضاً كندائه باسمه ، ورفع الصوت عليه ، وندائه من وراء الحُجرات ، ولكن بلَقَبه المعظم يا رسول الله ، يا نبي الله ، مع غاية التوقير والتفخيم والتواضع وخفض الصوت . قال القشيري : أي : عَظِّموه في الخطاب ، واحفظوا حرمته وخدمته في الأدب ، وعانقوا طاعته على مراعاة الهيبة والتوقير . هـ . فالإضافة ، على الأوليْن : للفاعل ، وعلى الثالث للمفعول ، لكنه بعيد من المناسبة لما قبله ولما بعده في قوله : { قد يعلم الله الذين يتسللون } أي : يخرجون قليلاً قليلاً على خِفْيَةٍ منكم ، { لِوَاذاً } أي : ملاوذين ، بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج ، أو يلوذ بمن يخرج بالإذن إراءة أنه من أتباعه . أو مصدر ، أي : يلوذون لواذاً . واللواذ : الملاوذة ، وهي التعلق بالغير ، وهو أن يلوذ هذا بهذا في أمر ، أي : يتسللون عن الجماعة خفية ، على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض . ثم هددهم على المخالفة بقوله : { فليحذرِ الذين يُخالفون عن أمره } أي : الذين يصدون عن أمره ، يقال : خالفه إلى الأمر : إذا ذهب إلى دونه ، ومنه : { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } [ هود : 88 ] ، وخالفه عن الأمر : إذا صد عنه . والضمير : إما لله سبحانه ، أو للرسول عليه الصلاة والسلام - ، وهو أنسب لأنه المقصود بالذكر . والمعنى : فليحذر الذين يخالفون عن طاعته ودينه وسنَّته ، { أن تُصيبَهم فتنةٌ } محنة في الدنيا كقتل أو زلازل وأهوال ، أو تسليط جائر ، أو عدو ، أو قسوة قلب . أو كثرة دنيا استدراجاً وفتنة . قال القشيري : سعادة الدارين في متابعة السُّنَّة ، وشقاوتهما في مخالفتها ، ومما يصيب من خالفها : سقوط حشمة الدين عن القلب . هـ . { أو يُصيبهم عذابٌ أليم } في الآخرة . والآية تدل على أن الأمر للإيجاب ، وكلمة " أو " : لمنع الخلو ، دون منع الجمع . وإعادة الفعل صريحاً للاعتناء بالتهديد والتحذير . { أَلاَ إنَّ لله ما في السمواتِ والأرضِ } من الموجودات ، خلقاً وملكاً وتصرفاً ، وإيجاداً وإعداماً ، بَدْءاً وإعادةً ، و " ألاَ " : تنبيه على أن يخالفوا من له ما في السموات والأرض . { قد يعلمُ ما أنتم عليه } أيها المُكَلَّفُون ، من الأحوال والأوضاع ، التي من جملتها الموافقةُ والمخالفةُ ، والإخلاصُ والنفاقُ . وأدخل " قد " ليؤكد علمه بما هم عليه ، ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد . والمعنى : أن جميع ما استقر في السموات تحت ملكه وسلطانه وإحاطة علمه ، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين ، وإن اجتهدوا في سترها ؟ ! { ويوم يُرجعون إليه } أي : ويعلم يوم يُردون إلى جزائه ، وهو يوم القيامة . والخطاب والغيبة في قوله : { قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه } يجوز أن يكون للمنافقين ، على طريق الالتفات ، ويجوز أن يكون { ما أنتم عليه } عاماً ، و { يُرجعون } للمنافقين . { فينبئهم } حينئذٍ { بما عملوا } من الأعمال السيئة ، التي من جملتها : مخالفة الأمر ، ليرتب على ذلك الإنباء ما يليق به من التوبيخ والجزاء . { والله بكل شيءٍ عليم } ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء . رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه قرأ سورة النور على المنبر في الموسم ، وفسرها على وجه لو سمعته الروم لأسلمت . هـ . وأما ما ورد في فضل السور فموضوع ، وقد غلط من ذكره من المفسرين . وبالله التوفيق . الإشارة : شيوخ التربية خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في القيام بالتربية النبوية ، فيجب امتثال كل ما أمروا به ، واجتناب كل ما نهوا عنه ، فُهِمَ معناه أو لم يُفهم . فإذا كانوا مجموعين في أمر جامع لم يذهب أحد حتى يستأذن شيخه ، ولا يكفي إِذْنُ بَعْضِ الفقراء ، إلا إنْ وَجّهَهُ الشيخ لذلك ، فلا يكون دعاء الشيخ كدعاء بعضكم بعضاً في التساهل في مخالفة أمره ، أو امتثال أمره . قد يعلم الله الذين يتسللون ، فيفرون عنه لِواذاً ، فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة كتسليط الدنيا عليه فتفتنه وتنسخ حلاوة الشهود من قلبه ، أو يصيبهم عذاب أليم ، وهو السلب بعد العطاء ، والعياذ بالله من الزلل ومواقع الضلال . نسأل الله تعالى أن يثبت قدمنا على منهاج الحق ، وأن يميتنا على المحبة والتعظيم ، ورسوخ القدم في معرفة الرحمن الرحيم . آمين . وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد ، النبي الكريم ، وعلى آله وصحبه ، وسلم .