Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-2)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { تبارك } أي : تكاثر خيره وتزايد ، أو : دام واتصل . وهي كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله ، والمستعمل منها الماضي فقط ، والتفاعل فيها للمبالغة . ومعناها راجع إلى ما يفيض سبحانه على مخلوقاته من فنون الخيرات ، التي من جملتها : تنزيل القرآن ، المنطوي على جميع الخيرات الدينية والدنيوية ، أي : تعاظم { الذي نَزَّلَ الفرقانَ } أي : القرآن ، مصدر فرق بين اثنين ، إذا فصل بينهما . سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، أو : لأنه لم ينزل جملة ، ولكن مفروقاً مفصولاً بين أجزائه شيئاً فشيئاً ، ألا ترى إلى قوله : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [ الإسراء : 106 ] . أنزله { على عبده } محمد صلى الله عليه وسلم ، وإيراده - عليه الصلاة والسلام - بذلك العنوان لتشريفه ، والإيذان بكونه في أقصى مراتب العبودية ، والتنبيه على أن الرسل لا يكون إلا عبداً للمُرسل رداً على النصارى . أنزله { ليكون } العبد المنزل عليه ، أو الفرقان { للعالمين } من الثقلين ، زاد بعضهم : والملائكة أرسل إليهم ليتأدبوا بأدبه ، حيث لم يقف مع مقام ولا حال ، ويقتبسوا من أنواره ، وهو حكمة الإسرار ، وقيل : حتى إلى الحيوانات والجمادات ، أُمرت بطاعته فيما يأمرها به ، وبتعظيمه - عليه الصلاة والسلام - وهذا كله داخل في العالمين لأن ما سوى الله كله عالم كما تقدم في الفاتحة . وعموم الرسالة من خصائصه - عليه الصلاة والسلام - . { نذيراً } أي : مخوِّفاً ، وعدم التعرض للتبشير لأن الكلام مسوق لأحوال الكفرة ، ولا بشارة لهم . { الذي له مُلكُ السموات والأرضِ } أي : له ، خاصةً ، دون غيره ، لا استقلالاً ولا اشتراكاً . فالقهرية لازمة لهما ، المستلزمة للقدرة التامة والتصرف الكلي ، إيجاداً وإعداماً ، وإحياءً وإماتةً ، وأمراً ونهياً ، { ولم يتخذ ولداً } كما زعم اليهود والنصارى في عزير والمسيح - عليهما السلام - ، { ولم يكن له شريك في المُلْك } كما زعمت الثنوية القائلون بتعدد الآلهة ، والرد في نحورهم . { وخَلَقَ كلَّ شيء } أي : أحدث كل شيء وحده ، لا كما تقول المجوس والثنوية من النور والظلمة . أي : أظهر كل شيء { فقدَّره } أي : فهيأه لِمَا أراد به من الخصائص والأفعال اللائقة به ، { تقديراً } بديعاً ، لا يقادر قدره ، ولا يُبلغ كنهه كتهيئة الإنسان للفهم والإدراك ، والنظر والتدبير في أمور المعاش والمعاد ، واستنباط الصنائع المتنوعة ، والدلائل المختلفة ، على وجود الصانع . أو : فقدَّره للبقاء إلى أبد معلوم . وأيّاً ما كان ، فالجملة تعليل لما قبلها ، فإن خلقه تعالى لجميع الأشياء على ذلك الشكل البديع والنظام الرائق ، وكل ما سواه تحت قهره وسلطانه ، كيف يتوهم أنه ولد الله سبحانه ، أو شريكٌ له في ملكه . تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . الإشارة : عبّر بالعبودية في التنزيل والإسراء إشارة إلى أن كل من تحقق بالعبودية الكاملة له حفظ من تنزيل الفرقان على قلبه ، حتى يفرق بين الحق والباطل ، وحظ من الإسراء بروحه إلى عالم الملكوت والجبروت ، حتى يعاين عجائب أسرار ربه . وما منع الناس من تنزل العلوم اللدنية على قلوبهم ، ومن العروج بروحهم ، إلا عدم التحقق بالعبودية الكاملة لربهم ، حتى يكون مع مراده ، لا مع مرادهم ، لا يريدون إلا ما أراد ، ولا يشتهون إلا ما يقضي ، قد تحرروا من رقِّ الأشياء ، واتحدت عبوديتهم للواحد الأعلى . فإذا كانوا كذلك صاروا خلفاء الأنبياء ، يُعرج بأرواحهم ، ويُوحى إلى قلوبهم ما يفرقون به من الحق والباطل ، ليكونوا نُذراً لعالمي زمانه قال تعالى : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] . وبالله التوفيق . ثم ردّ على أهل الشرك ، فقال : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً … }