Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 30-31)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : وقال الرسول : عطف على : وقال الذين لا يرجون … ، وما بينهما : اعتراض لبيان قبح ما قالوا ، وما يحيق بهم في الآخرة من الأهوال والخطوب . يقول الحق جل جلاله : { وقال الرسولُ } محمد صلى الله عليه وسلم ، وإيراده بعنوان الرسالة للرد في نحورهم ، حيث كان ما حكي عنهم قدحاً في رسالته صلى الله عليه وسلم ، أي : قال ، إثر ما شاهد منهم من غاية العتو ونهاية الطغيان ، شاكياً إلى ربه - عز وجل : - { يا ربِّ إِن قومي } ، يعني : قريشاً الذي حكى عنهم ما تقدم من الشنائع ، { اتخذوا هذا القرآنَ } ، الذي من جملته الآيات الناطقة بما يحيق بهم في الآخرة من فنون العقاب ، { مهجوراً } أي : متروكاً بالكلية ، فلم يؤمنوا به ويرفعوا إليه رأساً ، ولم يتأثروا بوعظه ووعيده ، وهو من الهجران ، وفيه تلويح بأن حق المؤمن أن يكون كثيرَ التعاهد للقرآن لئلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم . قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَعَلَّم القُرْآن فعلَّقَ مُصحفاً لَمْ يتعَاهَدْهُ ، وَلَمْ يَنْظُرْ فيه ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتعَلِّقاً بِهِ ، يَقُولُ : يَا رَبَّ العَالمينَ عَبْدُكَ هذَا اتَّخَذَنِي مَهْجُوراً ، اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَهُ " . وقيل : هو من هجر إذا هذى ، أي : قالوا فيه أقاويل باطلة ، كالسحر ، ونحوه ، أو : بأن هجروا فيه إذا سمعوه ، كقولهم : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] أي : مهجوراً فيه . وفيه من التحذير والتخويف ما لا يخفى ، فإن الأنبياء - عليهم السلام - إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجَّل لهم العذاب ، ولم يُنظروا . ثم أقبل عليه مسلياً ، وواعداً لنصره عليهم ، فقال : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين } فتسلّ بهم ، واقْتَدِ بمن قبلك من الأنبياء ، فَمِنْ هنا سَاروا . أي : كما جعلنا لك أعداء من المشركين ، يقولون ما يقولون ، ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل ، جعلنا لكل نبي من الأنبياء ، الذين هم أصحاب الشرائع والدعوة إليها ، عدواً من مجرمي قومِهم ، فاصبر كما صبروا فإن الله ناصرك كما نصرهم . { وكفى بربك هادياً ونصيراً } ، وهو وعد كريم بالهداية له إلى مطالبه ، والنصر على أعدائه ، أي : كفاك مالِكُ أمرِك ومُبَلغك إلى غاية الكمال ، هادياً إلى ما يوصلك إلى غاية الغايات ، التي من جملتها : تبليغ الكتاب ، وإجراء أحكامه إلي يوم القيامة . أو : وكفى بربك هادياً لك إلى طريق قهرهم والانتصار منهم ، وناصراً لك عليهم . والعدو : يجوز أن يكون واحداً وجمعاً ، والباء زائدة ، و { هادياً ونصيراً } : تمييزان . والله تعالى أعلم . الإشارة : من السنة التي أجراها الله تعالى في خواصه : أن يكون جيرانهم وأقاربهم أزهد الناس فيهم ، وأقواهم عليهم ، وأعدى الناس إليهم . وفي الأثر : " أزْهَدُ النَّاس في العَالِم جِيرانُهُ " فلا ينتفع بالولي ، في الغالب ، إلا أبعدُ الناس منه ، وقلَّ أن تجد ولياً عُمِّرَ سُوقُهُ في بلده ، فالهجرة سنة ماضية ، ولن تسجد لسنة الله تبديلاً . وكما جعل لكل نبي عدواً جعل لكل ولي عدواً ، فلا بد للولي أن يبقى له من يحركه إلى ربه بالإذاية والتحريش ، إما من جيرانه ، أو من نسائه وأولاده ليكون سيره بين جلاله وجماله ، وكفى بربك هادياً ونصيراً . ثم ذكر اقتراحهم الخاص في القرآن ، بعد أن ذكر اقتراحهم الخاص به عليه الصلاة والسلام ، فقال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ … }