Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-122)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : اسم الجمع واسم الجنس يُذكر ويُؤنث ، كقوم ، ورهط ، وشجر . يقول الحق جل جلاله : { كذبَتْ قومُ نوحٍ } ، وهو نوح بن لامَك . قيل : وُلد في زمن آدم عليه السلام ، قاله النسفي ، وإنما قال : { المرسلين } ، والمراد : نوح فقط لأن من كذَّب واحداً من الرسل فقد كذب الجميع ، لاتفاقهم في الدعوة إلى الإيمان ، لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل . وقد يُراد بالجمع : الواحد كقولك : فلان يركب الخيل ، ويلبس البرود ، وماله إلا فرس واحد وبُرد واحد . { إذ قال لهم } : ظرف للتكذيب ، أي : كذبوه وقت قوله لهم { أخوهم نوحٌ } نسباً ، لا ديناً ، وقيل : أخوة المجانسة ، كما في آية : { بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [ إبراهيم : 4 ] : { ألاَ تتقون } خالق الأنام ، فتتركوا عبادة الأصنام ، { إني لكم رسول أمين } ، كان مشهوراً بالأمانة عندهم ، كحال نبينا صلى الله عليه وسلم في قريش ، ما كانوا يُسمونه إلا محمداً الأمين . { فاتقوا الله وأطيعونِ } فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الإيمان . { وما أسألكم عليه } أي : على ما أنا مُتصدٍ له من الدعاء والنصح ، { من أجرٍ } أصلاً { إنْ أجريَ } فيما أتولاه { إلا على ربِّ العالمين } لا أطمع في غيره ، { فاتقوا الله وأطيعون } ، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من تنزيهه عليه السلام عن الطمع ، كما أن نظيرتها السابقة لترتيب ما بعدها على أمانته . والتكرير للتأكيد ، والتنبيه على أن كلا منهما مستقل في إيجاب التقوى والطاعة ، فكيف إذا اجتمعا ؟ كأنه قال : إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله وأطيعون . { قالوا أَنُؤْمِنُ لك واتبعك } والحالة أنه قد تبعك { الأرْذَلونَ } أي : الأرذلون جاهاً ومالاً ، والرذالة : الدناءة والخسة ، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم ، وقلة نصيبهم من الدنيا ، وقيل : كانوا من أهل الصناعة الدنيئة ، قيل : كانوا حاكة وأساكفة - جمع إسكاف - وهو الخَفَّافُ - أي : الخراز ، وقيل : النجار . والصناعة لا تزري بالديانة ، فالغنى غنى القلوب ، والنسب نسب التقوى ، والعز عز العلم بالله لا غير ، ومرادهم بذلك : أنه لا مزية لك في اتباعهم إذ ليس لهم رزانة عقل ، ولا إصابة رأي ، وقد كان ذلك منهم في بادي الرأي . وهذا من كمال سخافة عقولهم ، وقصر نظرهم على حطام الدنيا حتى اعتقدوا أن الأشرف مَنْ جَمَعَهَا ، والأرذل مَنْ حُرمَها . وقد جهلوا بأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة ، وأن النعيم هو نعيم الآخرة ، والأشرف مَنْ فازَ بِه ، وسكن في جوار الله ، والأرذل من حُرم ذلك . قال القشيري : ذكر ما لَقِيَ من قومه ، وقوله : { واتبعك الأرذلون } ، وكذلك أتباع الرسل ، إنما هم الأضعفون ، لكنهم - في حُكم الله - هم المقدّمون الأكرمون ، قال صلى الله عليه وسلم : " نُصِرْتُ بضعفائكم " ، إلخ كلامه . { قال وما عِلْمِي } أي : وأيّ شيء علمي { بما كانوا يعملون } من الصناعات ، إنما أطلب منهم الإيمان . وقيل : إنهم طعنوا في إيمانهم ، وقالوا : لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة ، وإنما اتبعوك طمعاً في العدة والمال ، أي : وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر ، دون التنقير على بواطنهم ، والشق عن قلوبهم ، { إنْ حسابهم إلا على ربي } أي : ما محاسبة أعمالهم والتنقير عن كيفياتها إلا على ربي فإنه المطلع على السرائر ، { لو تشعرون } بشيء من الأشياء ، أو : لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك ، ولكنكم كالبهائم أو أضل . { وما أنا بِطَاردِ المؤمنين } أي : ليس من شأني أن أتبع شهواتكم ، فأطرد المؤمنين طمعاً في إيمانكم ، وهو جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك ، حيث جعلوا اتباعهم له مانعاً عنه ، { إنْ أنا إلا نذير مبين } وما علي إلا أن أُنذركم إنذاراً بيّناً بالبرهان القاطع ، وأنتم أعلم بشأنكم ، أي : وما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين ، سواء كانوا أعزاء أو أراذل ، فكيف يمكنني طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء ؟ . { قالوا لئن لم تَنْته يا نوحُ } عما تقول { لتكوننَّ من المرجومين } من المقتولين بالحجارة . قالوه في آخر أمره . { قال ربِّ إنَّ قومي كذَّبونِ } تمادوا على تكذيبي ، وأصروا عليه ، بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ، فلم يزدهم دعائي إلا فِراراً ، وليس هذا من قبيل الإخبار لأن الله لا يخفى عليه شيء ، وإنما هو تضرع وابتهال ، بدليل قوله : { فافتحْ بيني وبينهم فتحاً } أي : احكم بيني وبينهم بما يستحقه كل واحد منا ، وهذه حكاية إجمالية ، قد فصلت في سورة نوح { وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِين } من شرهم ، أو من شؤم عملهم . { فأنجيناه ومن معه } حسب دعائه { في الفلك المشحون } المملوء بهم وبما لا بد لهم منه . { ثم أغرقنا بَعْدُ } أي : بعد إنجائهم { الباقين } من قومه ، { إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } الممتنع القاهر بإهانة من جحد وأصر . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال القشيري : أخبر عن كل واحد من الأنبياء بقوله : { وما أسألكم عليه من أجر } ليَعْلَمَ الكافةُ أنه من عَمِلَ له فلا ينبغي أن يطلب الأجر من غيره ، ففي هذا تنبيهٌ للعلماء - الذين هم ورثة الأنبياء - أن يتأدبوا بآدابهم ، وألاّ يطلبوا من الناس شيئاً في بَثِّ علومهم ، ولا يرتفقون منهم بتعليمهم ، والتذكير لهم ، ومن ارتفق من المستمعين في بث فائدة يذكرها من الدين ، يَعِظُ بها المسلمين ، فلا بارك الله للمسلمين فيما يَسْمعون منه ، ولا للعلماءِ أيضاً بركةٌ فيما منهم يأخذون ، فيبيعون دينَهم بَعَرَضٍ يسيرٍ ، ثم لا بَركضةَ لهم فيه ، إذ لا يتقربون به إلى الله ، ولا ينتفعون به ، ويَحْصُلون على سخط من الله . هـ . قلت : أما ما يأخذه العالم من الأحباس فلا يدخل في هذا إذ ليس فيه تكلف من أحد ، وكذلك ما يأخذه الواعظ على وجه الزيارة والهدية ، من غير استشراف نفسٍ ولا طمعٍ ولا تكلفٍ . والله تعالى أعلم . ثم ذكر قصة هود عليه السلام ، فقال : { كَذَّبَتْ عَادٌ … }