Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 123-140)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { كذبتْ عادٌ المرسلين } ، وهي قبيلة ، ولذلك أنَّث الفعل ، وفي الأصل : اسم رجل ، هو أبو القبيلة . { إذ قال لهم أخوهم } نسباً ، { هودٌ أَلاَ تتقون إني لكم رسول أمين } ، وقد مر تفسيره ، { فاتقوا الله } في تكذيب الرسول الأمين ، { وأطيعونِ } فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، { وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أَجْرِيَ إلا على رَبِّ العاَمينَ } ، وتصدير القصص بتكذيب الرسل والأمر بالطاعة للدلالة على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق ، والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ، ويُبعده من العقاب ، وأنَّ الأنبياء - عليهم السلام - مُجْمِعون على ذلك ، وإن اختلفوا في فروع الشرائع ، المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار ، وأنهم منزهون عن المطامع الدنيئة ، والأغراض الدنيوية بالكلية . ثم وبَّخهم بقوله : { أتَبْنونَ بكل رِيعٍ } : مكان مرتفع ، ومنه : ريع الأرض لارتفاعها ، وفيه لغتان : كسر الراء وفتحها . { آيةً } علَماً للمارة ، كانوا يصعدونه ويسخرون بمن يمر بهم . وقيل : كانوا يسافرون ولا يهتدون إلا بالنجوم ، فبنوا على الطريق أعلاماً ليهتدوا بها عبثاً ، وقيل : برج حمام ، دليله : { تَعْبَثُون } أي : تلعبون ببنائها ، أو : بمن يمر بهم على الأول ، { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } ، مآخذ الماء ، أو قصوراً مشيدة ، أو حصوناً ، وهو جمع مصنع ، والمصنع : كل ماصنع وأتقن في بنيانه ، { لعلكم تَخْلُدُونَ } أي : راجين الخلود في الدنيا ، عاملين عمل من يرجو ذلك ، أو كأنكم تخلدون . { وإذا بطشتم } بسوط او سيف ، أو أخذتم أحداً لعقوبة { بطشتم جبارين } مسلطين ، قاسية قلوبكم ، بلا رأفة ولا رقة ، ولا قصد تأديب ، ولا نظراً للعواقب . والجبار الذي يضرب أو يقتل على الغضب . { فاتقوا الله } في البطش ، { وأطيعونِ } فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم ، { وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ } من ألوان النعماء وأصناف الآلاء . ثم فصّلها بقوله : { أمدَّكم بأنعامٍ وبنين } فإن التفصيل بعد الإجمال أدخل في القلب . وقرن البنين بالأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام بها . { وجناتٍ } بساتين { وعيونٍ } : أنهار خلال الجنات ، { إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } إن عصيتموني ، أو : إن لم تقوموا بشكرها فإن كفران النعم مستتبع للعذاب ، كما أن شكرها مستلزم لزيادتها ، قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم : 7 ] . { قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ } فإنّا لن نرعوي عما نحن عليه ، ولا نقبل كلامك ودعوتك ، وعظت أو سكت . ولم يقل : أم لم تعظ لرؤوس الآي . { إنْ هَذَا إِلا خُلق الأولين } بضم اللام ، أي : ما هذا الذي نحن عليه من ألاَّ بعث ولا حساب ، إلا عادة الأولين وطبيعتهم واعتقادهم ، أو : ما هذا الذي نحن عليه من الموت والحياة إلا عادة قديمة ، لم يزل الناس عليها ، ولا شيء بعدها ، أو : ما هذا الذي أنكرت علينا من البنيان والبطش ، إلا عادة مَنْ قَبْلَنَا ، فنحن نقتدي بهم ، وما نُعَذَّبُ على ذلك . وبسكون اللام ، أي : ما هذا الذي خوفتنا به { إلا خَلْق الأولين } أي : اختلاقهم وكذبهم ، أو : ما خَلْقُنا هذا إلا كخلْقهم ، نحيا كما حيوا ، ونموت كما ماتوا ، ولا بعث ولا حساب ، { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } على ما نحن عليه من الأعمال . { فَكَذَّبُوهُ } أي : أصروا على تكذيبه ، { فأهلكناهم } بسبب ذلك بربح صَرْصَرٍ ، تقدم في الأعراف كيفيته ، { إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكْثَرُهُمْ } أي : قوم هود { مؤمنين } ما أسلم معه ثلاثمائة ألف … وأهلك باقيهم . قاله المحشي الفاسي . وقيل : وما أَكْثَرُ قَوْمِكَ بمؤمنين بهذا ، على أن { كان } : صلة . { وإن ربك لهو العزيزُ الرَّحِيمُ } العزيز بالانتقام من أعدائه ، الرحيم بالانتصار لأوليائه . الإشارة : أنكر هود عليه السلام على قومه أمرين مذمومين ، وهما من صفة أهل البُعد عن الله الأول التطاول في البنيان ، والزيادة على الحاجة ، وهي ما يُكن من البرد ، ويقي من الحر ، من غير تمويه ولا تزويق ، والزيادةُ على الحاجة في البنيان من علامة الرغبة في الدنيا ، وهو من شأن الجهال رعاء الشاه ، كما في الحديث ، وفي خبر أخر : " إذاعلا العبد البناء فوق ستة أذْرُعٍ ناداه ملك : إلى أين يا أفْسَقَ الفاسِقينَ ؟ " . والثاني : التجبر على عباد الله ، والعنف معهم ، من غير رحمة ولا رقة ، وهو من قساوة القلب ، والقلب القاسي بعيد من الله ، وفي الخبر عن عيسى عليه السلام : لا تُكثِرُوا الكلام بغير ذكر الله ، فتقسو قلوبكم فإن القلبَ القاسِيَ بعيدٌ من الله ، ولكن لا تشعرون . وفي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم : " لا تنظُرُوا إلى عيوب الناس كأنكم أربابٌ ، وانظروا إلى عيوبكم كأنكم عَبِيدٌ ، فإنما الناس مُبْتَلى ومُعَافىً ، فارحموا أهل البلاء وسلو الله العافية " وبالله التوفيق . ثم ذكر قصة صالح عليه السلام ، فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ … }