Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { طسم } أي : يا طاهر ، يا سيد ، يا محمد ، أو : أيها الطاهر السيد المجيد . وقال الواحدي : أقسم تعالى بطَوله وسنائه وملكه ، والمقسم عليه : { إن نشأ نُنزل … } إلخ . { تلك آيات الكتاب المبين } أي : ما نسرده عليك في هذه السورة وغيرها من الآيات ، هي آيات الكتاب ، أي : القرآن المبين أي : الظاهر إعجازه وأنه من عند الله على أنه من أبان بمعنى بان أو : المبين للأحكام الشرعية والحِكَم الربانية ، أو : الفاصل بين الحق والباطل . وما في الإشارة من معنى البُعد للتنبيه على بُعد منزلة المشار إليه في الفخامة ورفعة القدر . ثم شرع في تسليته بقوله : { لعلك باخعٌ نفسَكَ } أي : قاتل نفسك . قال سَهْلٌ : تهلك نفسك باتباع المراد في هدايتهم وإيمانهم ، وقد سَبق مني الحُكم بإيمان المؤمنين وكفر الكافرين ، فلا تبديل ولا تغيير . و " لعل " : للإشفاق ، أي : أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على مافاتك من إسلام قومك { أَلاَّ يكونوا مؤمنين } أي : لعدم إيمانهم بذلك الكتاب المبين ، { إن نشأ نُنزِّل عليهم من السماء آيةً } ، هو تعليل لما قبله من النهي عن التحسر ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به المشيئة ، فلا وجه للطمع فيه والتألم من فواته ، والمفعول محذوف ، أي : إن نشأ إيمانهم ننزل عليهم من السماء آية ملجئة لهم إلى الإيمان ، قاهرة لهم عليه ، { فظلَّتْ أعناقُهم لها خاضعين } منقادين . والأصل : فظلوا لها خاضعين ، فأقمحت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع ، وترك الخبر على حاله من جمع العقلاء . وقيل : لمَّا وصفت الأعناق بصفة العقلاء أجريت مجراهم ، كقوله تعالى : { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] . وقيل المراد بالأعناق : الرؤساء ومقدمو الجماعة ، وقيل : الجماعة ، من قولهم : جاءنا عنق من الناس ، أي : فوج . وقرئ : خاضعة ، على الأصل . { وما يأتيهم من ذِكْرٍ من الرحمنِ مُحْدَثٍ إلا كانوا عنه معرضين } ، هذا بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب لصرف رسوله صلى الله عليه وسلم عن الحرص على إسلامهم ، وقطع رجائه فيهم على الجملة ، قال القشيري : أي : ما نُجَدِّد لهم شَرْعاً ، أو نرسل رسولاً إلا أعرضوا عما دلّ برهانه عليه ، وقابلوه بالتكذيب ، فلو أنهم أنعموا النظرَ في آياتهم ، لا تضح لهم صدقهم ، ولكن المقسوم من الخذلان في سابق الحُكْمِ يمنعهم من الإيمان والتصديق . هـ . والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم ، وتهويل جنايتهم فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه عز وجل على الإطلاق شنيع قبيح ، وعما يأتيهم بموجب الرحمة ، لمحض منفعتهم ، أشنع وأقبح ، أي : ما يأتيهم من موعظة من المواعظ القرآنية أو من طائفة نازلة من القرآن تُذكّرهم أكمل تذكير وتنبهُهم من الغفلة أتم تنبيه ، بمقتضى رحمته الواسعة ، إلا جددوا إعراضاً عنه على وجه التكذيب والاستهزاء إصراراً على ما كانوا عليه من الكفر والضلال . { فقد كذَّبوا } بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً مقارناً للاستهزاء ، { فسيأتيهم } أي : فسيعلمون { أنباءُ } أي : أخبار { وما كانوا به يستهزئون } ، وأنباؤه : ما يحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة ، عبّر عنها بالأنباء إما لكونها مما أنبأ بها القرآن الكريم ، وإما لأنهم ، بمشاهدتها ، يقفون على حقيقة القرآن الكريم ، كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم ، باستماع الأنباء . وفيه تهويل لأن الأنباء لا تُطلق إلا على خبر خطير له وقع كبير ، أي : فسيأتيهم لا محالة مِصداق ما كانوا يستهزئون به ، إما في الدنيا ، كيوم بدر وغيره من مواطن الحتُوف ، أو يوم القيامة . والله تعالى أعلم . الإشارة : طسم ، الطاء تشير إلى طهارة سره - عليه الصلاة والسلام - ، والسين تُشير إلى سيادة قدره ، والميم إلى مَجَادة أمره ، وهذا بداية الشرف ونهايته . أو : الطاء تشير إلى التنزيه للقلب ، من حيث هو ، والتطهير والسين تشير إلى تحليته بالسر الكبير ، والميم تشير إلى تصرفه في الملك والملكوت بإذن العلي الكبير . وهذه بداية السير ونهايته ، فيكون حينئذٍ عارفاً بالله ، خليفة رسول الله في العودة إلى الله ، فإنْ حرص على هداية الخلق فيقال له : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ، فلو شاء ربك لهدى الناس جميعاً ، ولا يزالون مختلفين ، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين } . وبالله التوفيق . ثم ذكر دلائل قدرته على ما ذكر ، فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ … }