Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 7-9)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الهمزة : للإنكار التوبيخي ، والواو : للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، أي : أَفعلوا ما فعلوا من الإعراض والتكذيب ، ولم ينظروا إلى عجائب الأرض … إلخ . وكم : خبرية منصوبة بما بعدها على المفعولية . يقول الحق جل جلاله : { أوَ لَم يروا } أي : ينظروا { إلى } عجائب { الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } أي : من كل صنف محمود كثير المنفعة ، يأكل منه الناس والأنعام . وتخصيص النبات بالذكر ، دون ما عداه من الأصناف لاختصاصه بالدلالة على القدرة والنعمة معاً . ويحتمل أن يراد به جميع أصناف النبات نافعها وضارها ، ويكون وصف الكل بالكرم للتنبيه على أنه تعالى ما أنبت شيئاً إلا وفيه فائدة ، إما وحده ، أو بانضمامه إلى غيره ، كما نطق به قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] فإن الحكيم لا يكاد يفعل فعلاً إلا وفيه حكمة بالغة ، وإن غفل عنه الغافلون ، ولم يتوصل إلى معرفة كنهه العاقلون . وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة ، وهما " كم " و " كلّ " أنّ كلمة " كلّ " تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و " كم " تدل على أنَّ هذا المحاط متكاثر ، مفرط الكثرة ، وبه نبّه على كمال قدرته . { إنَّ في ذلك } الإنبات ، أو : كل صنف من تلك الأصناف { لآيةً } عظيمة دالة على كمال قدرته ، وسعة علمه وحكمته ، ونهاية رحمته الموجبة للإيمان ، الوازعة عن الكفر والطغيان . { وما كان أكثرُهُم } أي : أكثر قومه - عليه الصلاة والسلام - { مؤمنين } في علم الله تعالى وقضائه ، حيث عَلِمَ أنهم سيصرفون عنه ، ولا يتدبرون في هذه الآيات العظام . وقال سيبويه : " كان " : صلة ، والمعنى : وما أكثرهم مؤمنين ، وهو الأنسب بمقام عتوهم وغلوهم في المكابرة والعناد ، مع تعاضد موجبات الإيمان من جهته تعالى . وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى وقضائه فربما يتوهم أنهم معذورون فيه بحسب الظاهر لأن التفريق بين القدرة والحكمة ، اللتين هما محل التحقيق والتشريع ، قد خفي على مهرة العلماء ، فضلاً عن غيرهم . فالحكم بزيادة " كان " أقرب كأنه قيل : إن في ذلك لآية باهرة موجبة للإيمان ، وما أكثرهم مؤمنين مع ذلك لغاية عتوهم وعنادهم . ونسبة عدم الإيمان إلى أكثرهم لأن منهم من سبق له أنه يؤمن . { وإِنَّ ربك لهو العزيزُ } الغالب على كل ما يريد من الأمور ، التي من جملتها : الانتقام من هؤلاء ، { الرحيمُ } المبالغ في الرحمة ، ولذلك يمهلهم ، ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترأوا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات . وفي التعرض لوصف الربوبية ، مع الإضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - ، من تشريفه والعِدَة الحقيّة بالانتقام من الكفرة مالا يخفى . قاله أبو السعود . الإشارة : أوَ لم يروا إلى أرض النفوس الطيبة ، كم أنبتنا فيها من كل صنف من أصناف العلوم الغريبة ، والحِكَم العجيبة ، بعد أن كانت ميتة بالجهل والغفلة ، إنَّ في ذلك لآية ظاهرة على وجود الخصوصية فيها ، وعلى كمال من عالجها حتى ظهرت عليها . أو : أوَ لم يروا إلى أرض العبودية ، كم أنبتنا فيها من أصناف الآداب المرضية ، والمقامات اليقينية ، والمكاشفات الوهبية ، إن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين بهذه الخصوصية عند أربابها ، وإن ربك لهو العزيز الرحيم ، يُعز من يشاء ، ويرحم بها من يشاء . وبالله التوفيق . ثم شرع في قصص الأنبياء ، تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم وبدأ بموسى عليه السلام ، لشدة معالجته لقومه ، فقال : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ … }