Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 214-220)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وأنَذِرْ } يا محمد { عشيرتَك الأقربين } ، إنما خصهم بالذكر لئلا يتكلوا على النسب ، فَيَدَعُوا ما يجب عليهم ، لأن من الواجبات ما لا يشفع فيها ، بقوله في تارك الزكاة وقد استغاث به : " لا أملك لكم من الله شيئاً " . وفي الغالِّ كذلك . وقيل : إنما خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته ، وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً إذ النجاة في اتباعه ، لا في قربه منهم . ولما نزلت صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا ، ونادى الأقربَ فالأقرب ، وقال : " يا بَني عبد المطلب ، يا بني هاشم ، يابني عبد مناف ، يا عباسُ - عم النبي صلى الله عليه وسلم - يا صفيَّةُ - عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم لا أمْلِكُ لكم من الله شيئاً " وقال ابن عباس رضي الله عنه : صَعدَ النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفا ، ونادى : " يا صباحَاه " فاجتمع الناس ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، إنْ أخبرتُكم أن خَيْلاً بسَفْح هذا الجَبَل ، تريد أن تُغير عليكم صدقتُموني ؟ قالوا : نَعَمْ . قال : فإني نذير لكم بين يَدَيْ عَذَاب شديدٍ . فقال أبو لهب : تبَّاً لك سائر اليوم ، ما جمعتنا إلا لهذا " ؟ فنزلت : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ المسد : 1 ] . ثم قال : { واخفضْ جناحك } أي : وألن جانبك وتواضعْ ، وأصله : أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه ، فجعل خفض الجناح مثلاً في التواضع ولين الجانب . ويكن ذلك التواضع { لِمَنِ اتبعك من المؤمنين } من قرابتك وغيرهم . { فإن عَصَوْكَ فقل إني بريءٌ مما تعملون } أي : أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك ، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك وغيره . { وتوكل على العزيز الرحيم } أي : على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته ، فإنه يكفيك شر من يعاديك . { الذي يراك حين تقومُ } للتهجد ، { و } يرى { تقلُّبَكَ في الساجدين } في المصلين . أتبع كونه رحيماً برسوله ما هو من أسباب الرحمة ، وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل ، من قيامه للتهجد ، وتقلبه في تصفح أحوال المُتَهَجِّدِينَ ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون . وقيل : معناه : ويراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبك في الساجدين : تصرفه فيما بينهم ، بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم . وعن مقاتل : أنه سأل أبا حنيفة : هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن ؟ فقال : لا يحضرني ، فتلا له هذه الآية . وقيل : تقلبه في أصلاب الرجال . ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم في الآية أنه قال : " من نبي إلى نبي حتى أخرجتك نبياً " . { إنه هو السميعُ } لما تقول ، { العليمُ } بما تنويه وتعمله . هَوَّنَ عليه مشاقّ العبادة ، حيث أخبره برؤيته له ، إذ لا مشقّة على من يعْلَم أنه يعمل بمرأى من مولاه ، وهو كقوله في الحديث القدسي : " بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي " والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي لمن أُهِّلَ للوعظ والتذكير أن يبدأ بالأقرب فالأقرب ، ولو علم أنه لا ينتفع به إلا النزر القليل . فمن تبعه على مذهبه فَلْيُلِنْ له جانبه وليتواضع له ، ومن أعرض عنه واشتغل بهواه فليتبرأ من فعله ، ولا ينساه من نصحه ، ولذلك قال تعالى : { فإن عصوك فقل إني بريءٌ مما تعملون } ، ولم يقل : " منكم " ، وهذا مذهب الجمهور وأن الأخ إذا زلّ إنما يُبغض عمله فقط . وعن بعض الصحابة - وقد قيل له في أخيه ، فقال : إنما أبغض عمله ، وإلا فهو أخي ، وذُكر مثل ذلك عن أبي الدرداء . وأن الأخ في الله لا يُبغض لزلته ، ولا يترك لشيء من الأشياء ، وإنما يبغض عمله ، ووافقه على ذلك سلمان ، وتابعهما عمر ، وخالف في ذلك أبو ذر ، فقال : إذا وقعت المخالفة ، وانقلب عما كان عليه ، فَأَبْغِضْهُ مِنْ حَيْثُ أحببتَهُ . قال صاحب القوت : وأبو ذر صاحب شدائد ، وعزائم ، وهذا من عزائمه وشدائده . هـ . وهذا في المؤمن بدليل قول أبي الدرداء : الأخ في الله لا يبغض لزلة . وأما الكافر فصريح آياته : { إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الممتحنة : 4 ] ، ونحوها . وحديث ابن عمر وتبرئه من نفاة القدر - كما في مسلم - موجب للبراءة ، وليس لكون حكم الأصول أشد من الفروع . وذكر في الإحياء تأكيد الإعراض عمن يتعدى أذاه لغيره بظلم ، أو غصب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو شهادة زور لأن المعصية شديدة فيما يرجع لأذى الخلق . هـ . من الحاشية . قوله تعالى : { فتوكل على العزيز الرحيم } ، قيل : التوكل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ، ويقدر على نفعه وضره ، وهو الله وحده ، والمتوكل من إذا دهمه أمرٌ لم يحاولْ دفعه عن نفسه بما هو معصية . وقال الجنيد رضي الله عنه : التوكل أن تقبل بالكلية على ربك ، وتُعرض بالكلية عمن دونه فإنَّ حاجتك إنما هي إليه في الدارين . هـ . قال القشيري : { وتقلبك في الساجدين } من أصحابك ، ويقال : تقلبك في أصلاب آبائك من المسلمين ، الذين عرفوا الله ، فسجدوا له ، دون من لم يعرفه . هـ . وفي القوت : قيل : وتقلبك في أصلاب الأنبياء - عليهم السلام ، يقلبك في صلب نبي بعد نبي ، حتى أخرجك من ذرية أسماعيل ، وروينا معنى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحاصل : أنه من ذرية الأنبياء والمؤمنين الساجدين في الجملة ، ولا يقتضي كل فرد من الأفراد . هـ . ثم ذكر قوله : { وما تنزّلت به الشياطين } ، فقال : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ … }