Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 38-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { فجُمِعَ السحرةُ لميقات يوم معلومٍ } ، وهو ما عيّنه موسى عليه السلام بقوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] . والميقات : ما وُقت به ، أي : حُدّ من زمان ومكان . ومنه : مواقيت الحج . { وقيلَ للناسِ هل أنتم مُجْتَمِعُون } أي : اجتمعوا . وعبّر بالاستفهام حثّاً على الاجتماع . واستبطاء لهم ، والمراد : استعجالهم إليه ، { لعلنا نتبعُ السحرةَ } في دينهم { إن كانوا هم الغالبين } أي : إن غلبوا موسى ، ولا نتبعُ موسى في دينه ، وليس غرضهم اتباع السحرة ، وإنما الغرض الكلي ألا يتبعوا موسى ، فساقوا كلامهم مساق الكناية حملاً لهم على الاهتمام والجد في المغالبة لأنهم إذا اتبعوا السحرة لم يكونوا متبعين لموسى ، وهو مرادهم ، ولأن السحرة إذا سمعوا ذلك حملهم التروس على الجد في المغالبة . { فلمَّا جاءَ السَّحَرةُ قالوا لفرعون أئِنَّ لنا لأجراً } أي : جزاء وافراً { إِن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ } لموسى ؟ { قال نعم } لكم ذلك ، { وإنكم } مع ذلك ، { إذاً لمن المقربين } عندي في المرتبة والحال ، فتكونون أول من يدخل عليّ ، وآخر من يخرج عني . ولما كان قوله : { أئِنَّ لنا لأجراً } ، في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه ، وكان قوله : { وإنكم إذاً } : معطوفاً عليه ، دخلت " إذاً " قارة في مكانها ، الذي تقتضيه من الجواب والجزاء . { قال لهم موسى } بعد أن قالوا له : { إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } [ طه : 65 ] : { أَلْقُوا ما أنتم مُلْقُونَ } من السحر ، فسوف ترون عاقبته . لم يُرد به الأمر بالسحر والتمويه ، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه البتة توسلاً به إلى إظهار الحق وإبطال الباطل ، { فَأَلْقَواْ حِبَالَهم وعِصِيَّهُم } ، وكانوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصاً . وقيل : كانت الحبال اثنين وسبعين ، وكذا العصِيِّ . { وقالوا } بعد الإلقاء ، لما رأوها تتحرك وتقبل وتُدبر : { بعزَّةِ فرعونَ إنا لنحن الغالبون } ، قالوا ذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم ، وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر ، أقسموا بعزته وقوته ، وهو من أيمان الجاهلية . والله تعالى أعلم . الإشارة : السحر على قسمين : سحر القلوب إلى حضرة الحق ، وسحر النفوس إلى عالم الخلق ، أو : إلى عالم الخيال . فالأول : من شأن العارفين بالله ، الداعين إلى الله ، فهم يسحرون قلوب من أتى إليهم إلى حضرة القدس ، ومحل الأنس ، فيقال في شأنهم : فجمع السحرة بقلوبهم ، إلى ميقات يوم معلوم ، وهو يوم الفتح والتمكين ، أو يوم النفحات ، عند اتفاق جمعهم في مكان معلوم . وقيل للناس ، وهم عوام الناس : هل أنتم مجتمعون لتفيقوا من سكرتكم ، وتتيقظوا من نوم غفلتكم ، لعنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ، ولا شك في غلبتهم ونصرهم لقوله تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [ الحج : 40 ] . ثم ذكر إبطال سحرهم ، وإسلامهم ، فقال : { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ … }